وفات هؤلاء أيضا أن رسالة محمد جاءت مليئة بالرحمة والبر والحنان وأن صفاتها صفات الحكمة والخير، وأنها اتسمت بأهداف سامية لا تمت إلى طلب السلطان والجاه. وفريق ثالث من هؤلاء، زعم بكل سخافة وحمق أن الطمع في الأقاويل تبطل هذه الدعاوى وتنقضها. وجلية الأمر أن محمدا لم يكن كغيره، يرضى بأوضاع كاذبة، أو يسير تبعا لاعتبارات باطلة، أو يقبل أن يتسم بأكاذيب وأباطيل زائفة، فجاء نتيجة لذلك صوته منبعثا من الطبيعة ذاتها. ولهذا وجد آذانا صاغية، وقلوبا واعية، فانتشرت رسالته، وعمت الناس كافة. وتلك هي رسالة السماء، قام بها خير رسول وخير إنسان، (?).
وعاد القسس لطرح سؤال آخر: (لماذا يحفظ العرب القرآن؟ مع أن هذه الطريقة تؤثر كثيرا على عقول الناس، وبخاصة الصغار منهم، وهذا الإجراء سيكون أثره السيء على النشء الجديد. وأجاب الأمير عبد القادر:
(إن هذا السؤال غريب ومتسم بالعصبية، وإني لأفهم الأسباب التي تدفعكم إلى هذا النوع من التفكير، ولو أنكم واجهتم الحقيقة كما يجب أن تواجه لأدركتم أن حفظ القرآن له مميزاته. ومما لا شك فيه أن الحفظ من أهم الأسباب لاستدعاء الفهم. فإنما طلب الفهم والإدراك إنما يكون عند ظهور الحاجة إليه. وعند الإحساس بعدم الفهم، وحينئذ يلجأ الحافظ إلى السؤال عن معنى ما سمع أو