فلم يمر قرن واحد، حتى أوجدت للعالم كله دينا قيما وعلما محكما ومدنية سعيدة وسياسة رشيدة، فنفخت في الإنسانية روحا جديدة، لا تقبل الفناء، ما دامت الأرض والسماء. فهي كالينبوع الذي تفجر في أرض وفاض على غيرها، فأحياها بعد موتها. وكان ذلك من فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. ولا تقف صفات الإسلام عند هذا الحد في الصفات التي تتميز بها الديانات والرسالات، بل كان من أهم صفاته أنه دين الهداية إلى الحق، والارتفاع بقيمة العقل من الانسياق وراء المعميات والخوارق الغريبة عن الطبيعة المدنية في الاقتناع والتصديق.
واستمرت رسالة الإسلام، تغزو الممالك والبقاع، وأخذت راية الدين الحنيف ترفرف على البلدان والأمصار، وتغلغلت دعوة النبي العربي في أوروبا وغيرها من البلاد التابعة للديانة المسيحية، وعز على الكنيسة أن ترى دين محمد يعلو على كل دين ويدحض كل فرية وكل دعوة تقوم على الزيف والأباطيل. فجندوا لها إرسالياتهم التبشيرية، وبعثروها في الممالك والأصقاع، ظانين أنها تجدي مع رسالة من عند الله.
وحاول مبشرو أوروبا أن يصفوا الإسلام بالنقائص، فمنهم من قال: إن دعوة محمد استهوت الناس حسب غرائزهم، وإرضاء أثرة المنافع والثروة فيهم. وفات هؤلاء أن الإسلام جاء لتنظيم حياة الناس. وزعم فريق آخر منهم، أن الإسلام لم يكن يريد بدعوته غير الشهرة الشخصية والحياة والسلطان، ويقصدون بذلك محمدا صلوات الله وسلامه عليه.