قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] ، ينادي في الناس فرحاً مسروراً، بقوله: (هاؤم) أي: تعالوا اقرءوا كتابي، فهي لحظة فوز ونجاح، ولا نجاح أكبر منه، فينادي على الناس قائلاً: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} .
وفي الآية الأخرى: {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق:9] ، {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20] ، (ظننت) أي: أيقنت، فالظن هنا بمعنى اليقين، والظن يأتي بمعنى اليقين في جملة مواطن، قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ} [البقرة:249] ، فـ (يظنون) هنا: أي يتيقنون أنهم ملاقو الله.
فلو كان الظن على الشك لكفروا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال عن قوم: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] .
إذاً: الظن يأتي بمعنى اليقين، ويأتي بمعنى الشك، ويأتي بمعنى الكذب، والله تعالى أعلم.
لكن يستفاد ويؤخذ المعنى من القرائن المحيطة بالآية أو بالحديث، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} ، فيه فضل اليد اليمنى، وهل لليد اليمنى فضل؟ ومن ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يمس ذكره بيمينه، ونهاه أن يستنجي بيمينه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ باليمين ويعطي باليمين ويقول: (لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها) ، فمن شعائر المسلمين: الأخذ باليمين، والإعطاء باليمين، والأكل باليمين، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في تنعله، وترجله، وفي طهوره، وفي شأنه كله، فلليمين فضل، ومن ثم جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لما خلق الخلق قبض قبضتين، وقال: يا آدم! اختر أيتهما شئت، فقال: قد اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة) ، فاليمين فيها فضل، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أصحاب اليمين المتلقفين كتبهم بأيمانهم.
قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ} ، أي: يناديهم.
(هاؤم) تعالوا (اقرءوا كتابيه) وهذا هو الفرح، وليس كفرح الدنيا، تعال انظر إلى شهادتي كم درجتي في مادة الإنجليزي والكيمياء، فهذا يوم القيامة لا قيمة له على الإطلاق، فقد تجد رجلاً كادحاً فلاحاً تقياً يرتفع إلى أعلى عليين، وملكاً من الملوك ينزل في أسفل سافلين، وهذه أمورٌ يدبرها الله، وكما وصف القيامة بأنها (خافضة رافعة) .
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ} [الحاقة:19-20] ، أي: تأكدت وأيقنت، لم أكن أعمل الأعمال هكذا فقط، بل كنت أعمل العمل وأنا موقن أن الله سبحانه وتعالى سيجازيني به: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20] ، علمت وأيقنت أن هناك بعثاً، وأن هناك جزاء وثواباً، وأن هناك عقاباً.