{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21] ، من العلماء من قال: راضية بمعنى: مرضية، أي: قد رضيها صاحبها، كما قال تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:6] ، فدافق بمعنى: مدفوق، وراضية: بمعنى مرضية، كما قال بعض المفسرين.
{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} ، رضي عن عيشته التي رزقه الله إياها، ولم يتسخطها، ولم يملها ولم يتضجرها، ثم جاء تفسير هذه العيشة الراضية بقوله: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} [الحاقة:22] ، (عالية المنازل) ، فهي عالية في نفسها، ثم بين أهلها تفاوتات في الدرجات، فمنها درجات علا، ومنها دون ذلك.
أما كونها عالية فهي حتى في الحياة الدنيا في السماء السابعة وبعد السماء السابعة، كما في حديث المعراج: (أنه بعد منتهاه إلى السماء السابعة وجد سدرة المنتهى) ، والله يقول: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم:14-15] ، فالجنان في السماء السابعة، والنيران في أسفل سافلين: (بينما رجلٌ يمشي قد أعجبته نفسه إذ خسف به إلى سبع أراضين) .
وفي الحديث: (يتجلجل في نار جهنم) ، أما الدليل على وجود تفاوتات بين درجاتها، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في السماء لتفاضل ما بينهم، قيل: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها أحدٌ غيرهم؟ قال: كلا والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) .
قال الله تعالى: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} ، عالية المكان، وعالية المقام.
{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:22-23] ، أي: متدلية قريبة من المحتاج إليها، تدنو القطوف والثمار ممن يريد تناولها، كما قال كثيرٌ من أهل التفسير: إذا رأيت شيئاً أو إذا اشتهيت شيئاً تدلى لك هذا الشيء، وتدلى ثمره أمامك، فلا تتكلف في قطفه، بل تجده أمامك.
{قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} ، أي: قريبة متدلية.