كيف يتعلق الطالب بأستاذه وهو يرى أستاذه يأمر بأمر ويخالفه؟! كيف يتعلم الولد الصدق وهو يرى أباه يكذب؟! كيف تتعلم البنت الفضيلة وهي ترى أمها مستهترة؟! إن أعظم وسائل التربية هي القدوة، وهي أن يرى الابن والطالب والشاب هذه القدوة العملية تتحرك أمام عينيه وبين يديه.
عندما رأى الحسن والحسين رضوان الله عليهما شيخاً كبيراً لا يحسن الوضوء، لم ينتهراه، ولا سخرا منه؛ لأن هؤلاء تربوا في مدرسة النبوة، وتربوا في بستان الأخلاق، وتربوا في حضن المصطفى وكفى! فماذا فعل الحسن والحسين؟ قال الحسين: (هلا أتيت لتحكم بيننا، ولترى من لا يحسن الوضوء؛ فإن الحسن يتهمني أني لا أحسنه، وأنا أقول: بل أنت الذي لا تحسن الوضوء؟! فتوضأ الحسن فأتم وأكمل، وتوضأ الحسين فأتم وأكمل) .
فهم الرجل هذا الأسلوب التربوي الفريد بالقدوة الطيبة والمثل الأعلى، فنظر إلى الحسن والحسين وقال: كلاكما على صواب، وأنا المخطئ، فجزاكم الله عني خيراً يا آل بيت رسول الله! فهذه هي القدوة الطيبة، والمثل الأعلى.
أعظم وسيلة من وسائل التربية: القدوة، أن يرى الشباب قدوته تتحرك أمام عينيه وبين يديه، وتخيل لو أننا في مصلحة من المصالح الحكومية، ورزق الله هذه المصلحة بقائد تقي نقي مؤمن، فإذا ما استمع إلى أذان الظهر قام من مكتبه على الفور ليجدد وضوءه، ثم نزل إلى مكان قد أعده للصلاة ليصلي؛ فماذا ستكون النتيجة؟ بالله عليكم! إذا كان هذا هو رئيس المصلحة فهل سيتخلف عن الصلاة موظف في هذا المكان؟
صلى الله عليه وسلم لا يمكن؛ لأن الرجل الأعلى في هذا المكان قام بالقدوة الطيبة؛ ليعلمهم أنه إذا حان وقت الصلاة وجب على الجميع أن يترك كل أعمال الدنيا ليضع أنفه وجبينه في التراب ذلاً لخالقه ورازقه جل وعلا.
الرسول عليه الصلاة والسلام لما أمر الصحابة بالإنفاق كان أجود بالخير من الريح المرسلة، جاءه رجل يسأله فقال له: (خذ الغنم الذي بين الجبلين، فساق الرجل الغنم كلها، وذهب إلى قومه ليقول: يا قوم! أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر) .
عندما يأتي طالب العلم الصغير فيرى أحد شيوخه يتعامل مع أحد الدعاة بمنتهى التواضع والإجلال والأدب؛ سيتعلم بالقدوة أنه هكذا ينبغي أن يكون التعامل بين أهل العلم وأهل الفضل، وإذا رأى أستاذه وشيخه يجل رجلاً كبيراً ذا لحية بيضاء فسيتعلم بالقدوة كيف يكون الإجلال لأصحاب الشيبة في الإسلام، وهكذا.
وأنا والله! أعلم يقيناً أنه لا ينبغي لمثلي أن يتكلم عن القدوة، ولا أقول هذا تواضعاً؛ فإنه لا ينبغي لمثلي على الإطلاق أن يتكلم عن القدوة إلا إذا توافرت فيه شروط الأهلية والعملية، ولكنني أتكلم من منطلق شعوري بالمسئولية لا من منطق شعوري بالأهلية، والقاعدة الأصولية تقول: (من عدم الماء تيمم بالتراب) ، فأسأل الله أن يغفر ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يتجاوز عنا بمنه وكرمه؛ إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.
أيها الأحبة الكرام! تعمدت أن أطيل بعض الشيء في التربية بالقدوة؛ لأنها أعظم الوسائل في التربية.