ثانياً: التربية بالقصص القرآني والنبوي: أيها الحبيب الكريم! إن للقصص القرآني والنبوي وظيفة تربوية بليغة، لا يمكن أن يقوم مكانها أي لون آخر من الأداء اللغوي.
وذلك لما للقصص القرآني والنبوي من ميزات نفسية تخاطب أعماق الفطرة، وتحرك الوجدان، وتهز الشعور، مع الحفاظ على كل ملامح الواقعية في كل جزئيات القصة من أولها إلى آخرها.
فالقصص القرآني والنبوي يقدم ملامح الواقعية في القصة في كل أشكالها وصورها وجزئياتها، بل في كل شخصياتها، بل في كل كلماتها، بل في كل حروفها، ولم يتخل القصص القرآني والنبوي بالرغم من هذا عن طابعه النظيف الطاهر في موقف واحد، ولم ينشئ القصص القرآن والنبوي ذلك المستنقع الكريه الآثم، ولم يثر الغرائز الكامنة، والشهوات الهاجعة كلا! لو قرأت أي قصة من قصص القرآن أو من قصص النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوجدت منها كل ملامح الواقعية، بخلاف كتاب القصة الواقعية المعاصرة؛ فإنهم يقولون: من أجل أن يبقى الكاتب واقعياً فإنه يعزف على وتر الجنس، وعلى وتر الدم، وعلى وتر العنف، وعلى وتر الدعارة، وعلى وتر ابتزاز غرائز القراء؛ بحجة الواقعية في القصة، وبحجة الكمال الفني في الأداء.
والذين يشاهدون التلفاز يعرفون هذا الكلام، فالكتاب المعاصرون يعزفون على هذه الأوتار بحجة الواقعية، يعني: لابد أن تكون القصة مطابقة للواقع، وعليه فلابد أن يجسد الكاتب هذه الشخصيات، وفي الوقت ذاته يثير الغرائز الهاجعة والشهوات الكامنة، وينشئ هذا المستنقع الآثم من الوحل والرذيلة والعفونة والعار.
والله! لا أنسى أبداً وأنا طالب في الكلية حين دخل عليّ شاب من الإسكندرية، وكنت حينئذٍ أصلي بالإخوة إماماً، وكان مقرراً علينا قصة لـ نجيب محفوظ، فدخل عليّ هذا الشاب وهو يبكي، فقلت: ما الذي يبكيك؟ فقال: جلست الليلة لأقرأ ما قرر علينا في هذه القصة، فلم أتمالك نفسي فعصيت الله جل وعلا، وأنزلت شهوتي بيدي! فقلت: سبحان الله! ولمَ؟ قال: ألم تقرأ القصة؟ قلت: لا.
ما قرأتها بعد، وما دام أنها مقررة علينا مددت يدي إلى الكتاب وفتحت على الباب الذي كان يقرؤه أخونا، فوالله الذي لا إله غيره! لقد قرأت كلاماً يحول النساك العباد إلى فساق فجار.
فماذا تريد من شاب تجسد له الفاحشة تجسيداً دقيقاً، بتصوير دقيق رهيب، وهو شاب له نفس بشرية فيها الإقبال والإحجام، وفيها الطاعة والمعصية، وفيها الفجور والتقوى، وفيها الإيمان والكفر؟! قال عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7-10] ! فرجل في سن الشباب يرى فتاة جامعية جميلة تجلس إلى جواره، بل وتلصق فخذها بفخذه، ويقرأ هذا الكلام، ماذا تنتظرون منه؟! هل هو ملك مقرب أو نبي مرسل؟
صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا ذاك، والنفس البشرية ضعيفة، كما قال عز وجل: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف:53] أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن رحم، وأي إنسان -يا إخوان- قد يزل، بل لقد زل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
بعض الصحابة وقع في الزنا فجاء إلى النبي ليقيم عليه حد الرجم؛ لأنه كان متزوجاً، وجيء برجل من أصحاب النبي شارباً للخمر؛ فالنفس البشرية فيها الطاعة والمعصية، وفيها الإقبال والإحجام، فكتَّاب القصة الواقعية المعاصرة -بحجة الواقعية، وبحجة الكمال الفني في الأداء- لا يعزفون إلا على وتر الجنس والدعارة والدم وابتزاز غرائز القراء، والحجة المزعومة: الإبداع الفني في القصة الواقعية المعاصرة!! وهذا والله! لا ينطلي إلا على أصحاب العقول القاصرة الضعيفة، فإذا كان هؤلاء يعبرون عن تجاربهم الشخصية بكل ما فيها من شذوذ وانحراف فهم صادقون مع أنفسهم على كل حال، لكن السؤال الخطير الذي يفرض نفسه: ما الداعي لتقديم هذه الأعمال الهابطة، وهذه التجارب الساقطة لشباب الأمة؟ نحن الآن في أمس الحاجة إلى أن نربي الشباب على الرجولة، وعلى البذل، وعلى العمل، وعلى الإنتاج, وعلى العطاء؛ لنوفر لكثير من أبناء الأمة رغيف الخبز! يقدم كتَّاب القصة الواقعية المعاصرة هذا اللون دون مراعاة لعقيدة أو لمنهج أو لخلق أو لفضيلة، بل دون رغبة صادقة في صناعة حياة شريفة هادئة!!