الدرس الثالث من دروس قصة الثلاثة: أن من أعظم القربات إنفاق الأموال ابتغاء مرضاة رب الأرض والسماوات، فالإنفاق قربة عظيمة، ولكن الشح والبخل فرخ وباض في قلوب كثير من الناس إلا من رحم ربك جل وعلا، الشح والبخل سبب من أسباب الكذب، البخيل يكذب خوفاً على المال، الشحيح يكذب خوفاً على المال، فما من منفق أنفق إلا ودعا له الملك قائلاً: (اللهم أعط منفقاً خلفاً) .
الحقيقة -يا إخوان- إذا أراد الواحد أن يتكلم عن مشاكل الإنفاق، ويريد أن يستشهد ببعض النماذج لأصحاب المصطفى عليه الصلاة والسلام يقف عيياً أمام هؤلاء الأطهار الأبرار الأخيار، ما الفرق بيننا وبينهم؟ كانوا إذا دعوا للإنفاق ساهموا وسارعوا، فما بالنا إذا دعينا اثاقلنا إلى الأرض؟! فالواحد منا قبل أن يخرج المال ينظر بطرف عينه إلى المال، فإذا وجد الورقة كبيرة أدخلها بسرعة، وذهب يبحث عن الورقة الأقل، أنا مقدر لظروف الناس، والمعيشة التي يعيشها الناس معيشة صعبة جداً، لكن أحدث القادر الذي يستطيع البذل والإنفاق.
السلف كانت الدنيا في أيديهم فسهل عليهم العطاء، أما نحن فأصبح المال في قلوبنا فعز علينا العطاء، يقول ابن القيم رحمه الله -ملخصاً حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في كلام قوي، وأختم به المحاضرة، ونكمل إن شاء الله الدروس والقصة النبوية في وقت آخر-: هذا هو أبو بكر الصديق الذي عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار، فألقى له الصديق حب الحب على روض الرضا، واستلقى على فراش الفقر آمناً مطمئناً، فرفع الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة، ثم تركه هنالك وعلى أغصان شجرة الصدق يغرد للصديق بأغلى وأعلى فنون المدح وهو يتلو في حقه قول ربه: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل:17] .
وأكتفي بهذا القدر، وأسأل الله لإخواني وأحبابي الطلاب أن يرزقهم التوفيق والصواب والسداد، وأن ييسر لهم كل أمر عسير، وأن يبارك فيهم، وأن يحفظنا وإياهم من الفتن، وأن يدخل على أهليهم وآبائهم وأمهاتهم السعادة والهناء والسرور.
وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم جميعاً صالح الأعمال، وأن يغفر لنا ولكم، وأن يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.