وبادئ ذي بدء فإن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بحفظ اللسان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من إطلاق اللسان حتى قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة) وقال -أيضاً- في الحديث الصحيح صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) أي: يطلق الكلام على عواهنه، دون تبصر ولا انتباه، ولا تقويم للكلمة، ولا بحث ولا نظر، فقد يتكلم بالكلمة لا يتبين فيها، وقد يكون فيها اعتداء على ألوهية الله وربوبيته، أو اعتراض على قضائه وقدره ونحو ذلك، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب؛ ولذلك لما نصح النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً قال له: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كف عليك هذا -وأشار إلى لسانه- قال: يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! -وهذا ليس دعاءً عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعو على أحد من أمته بدعوة لا يستحقها إلا جعلها الله له رحمة وثواباً يوم القيامة- ثكلتك أمك يا معاذ -وهذه من العبارات الدارجة عند العرب والتي لا يقصد النبي عليه الصلاة والسلام معناها الحرفي- وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلاَّ حصائد ألسنتهم) فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن من أعظم أسباب دخول النار حصائد الألسنة.
ولذلك جاء كلام السلف في حبس اللسان كثيراً، فمن ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: [ما رأيت أحوج إلى طول سجن من اللسان] وقال الحسن: [اعقل لسانك إلا عن حق تقيمه، أو باطل تدحضه، أو حكمة تنشرها، أو نعمة تذكرها] ولذلك السلف -رحمهم الله- ألفوا في فضل الصمت تأليف، مثل ما فعل ابن أبي الدنيا -رحمه الله تعالى- وتكلم العلماء في مساوئ الإكثار من الكلام، والحث على التقليل منه، وأن الإنسان إذا عد كلامه ليوشكن أن يعرف ماذا يسود به من الصحائف -صحائف أعماله.