وقد كان عليه الصلاة والسلام يستاك ليلاً، ويحضر له سواكه، وقد جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً سأل عائشة رضي الله عنها فقال: (أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل)؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء -إذاً: سورة المزمل نزلت على دفعتين بينهما سنة- حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة، قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كنا نعد له سواكه -فالمرأة من برها بزوجها وإعانتها له على العبادة وعلى تطبيق السنة أن تعد السواك لزوجها- قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه -وهذه إحدى الكيفيات لقيام الليل- فيقرأ ويقوم الليل).
وأيضاً جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فاستيقظ وتسوك وتوضأ وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ) الحديث رواه مسلم.
وهذا فيه سنة مهجورة أو مجهولة، وهي قراءة آيات آل عمران عند القيام من النوم، فبعد القيام من النوم يتسوك ويتوضأ ويقرأ الآيات ثم يفتتح صلاة الليل فمتى تكون قراءة آيات آل عمران؟ بعد السواك والوضوء يقرأ آيات آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:190] إلى آخر السورة، ثم ويكبر ويصلي قيام الليل، والحديث في صحيح مسلم.
وإذا تكرر نومه واستيقاظه فيكرر قراءته لها، ولو نام يكرر أيضاً السواك، فلو أن رجلاً قام وقرأ الآيات وصلى، ثم نام، ثم قام قبل الفجر وأراد أن يصلي فإنه يقرأ، كما جاء في روايةٍ أخرى عند مسلم: عن ابن عباس: (أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء ثم تلا هؤلاء الآيات من آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران:190]، حتى بلغ {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية) فإذاً: لو تكرر القيام يكرر هؤلاء الآيات.
وفيه سنة أخرى وهي: النظر إلى السماء عند تلاوة الآيات، كما ذكر النووي رحمه الله: يستحب السواك عند الاستيقاظ في الليل مع النظر إلى السماء لما في ذلك من عظيم التدبر {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:190] وهو ينظر إلى السماء.
وقد جاء في كيفية السواك في الليل حديث حذيفة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) رواه البخاري.
(يشوص) هو الغسل والتنظيف والتنقية، وقيل: هو الإمرار على الأسنان من أسفل إلى فوق، وهو مأخوذ من الشوصة، وهي ريح ترفع القلب عن موضعه، وقيل: هو دلك الأسنان بالسواك أو الأصابع عرضاً، وهذا عكس الأول فهذه من الأقوال في الشوص، فإذا أراد أن يفعله طولاً أو يفعله عرضاً فله ذلك كله؛ لأن المقصود أن يحصل التطييب والتنقية.
وهذا فيه فضل السواك عند القيام من النوم؛ لأن الفم يكون متغير الرائحة لتصاعد الأبخرة من المعدة، والسواك آلة للتنظيف.
وقوله: (من الليل) عام في كل حالة، فلو نام شخص في النهار حتى في القيلولة، وقام وقد تغيرت رائحة الفم فإنه يستاك، ولكن يتأكد إذا قام من الليل للصلاة فإن الملك يأتي، وفيها مناجاة الرب، فيتأكد أكثر، ويكون به كمال الهيئة والتأهب للصلاة، وهو يدل على طول القيام.
وقوله: (إذا قام للتهجد) أي: لعادته، وقد سبق التنبيه إلى أن التهجد لا يسمى تهجداً إلى إذا كان بعد نوم، أما قيام الليل فيسمى قياماً ولو لم يسبقه نوم، فلو قام بعد صلاة العشاء بعدما صلى الراتبة يصلي الوتر أو قيام الليل، فإنه يسمى قيام ليل، لكن لا يسمى تهجداً إلا إذا سبقه نوم، وقام من النوم إلى الصلاة.