أنهم واصلون إليهم نجدة من بلادهم، وأقلعوا داخلين إلى مرسى عكا، مسلمين على الفرنج بلغتهم، مبشرين لهم بأن وراءهم من المدد، من تثدد به منتهم وتعز به نصرتهم، فلم يرتب المحاصرون بذلك، وأفرجوا لهم عن المرسى.

فدخلوا إلى عكا، وأوصلوا إلى المسلمين بها، ما كان معهم من الميرة والسلاح والرجال، وتمت هذه الحيلة. وكانت من الفرص التي لا ينبغي أن تعاود فركن المسلمون إليها، وطمعوا في أخرى مثلها، فجهزوا مركباً عظيماً من بيروت أيضاً، وأودعوه مثل ما كان قبله من الآلات والسلاح والأقوات بما مبلغ قيمته خمسة آلاف دينار. وجعل فيه سبعمائة من مقاتلة المسلمين.

وكان خبرهم قد وصل إلى الفرنج، فأخذوا عليهم الأرصاد، فمكثوا أياماً يلججون في البحر، ويقاربون عكا، فلا يجدون في الدخول مطمعاً، حتى صادفتهم مراكب الإنكتير في حال قدومه من بلاده، في إحدى وعشرين مركباً فقاتلوا ذلك المركب الإسلامي يومين، وثبت لهم مع قلته، فغرق المسلمون من مراكب الفرنج ثلاثة.

ولما رأوا أنهم قد يئسوا من النجاة، وأن الفرنج إن ظفروا بالمركب حصل لهم به قوة عظيمة، وحصلوا في الأسر والذلة، عمد رجل حلبي حجار من أهل باب الأربعين، يقال له يعقوب وكان مقدم الجماعة إلى سفل المركب وأخذ قطاعته، وخسف المركب، ودخل فيه الماء، وغرق. ولم يظفر الكفار منه بشيء، سوى رجلين تخطفهما الفرنج من رأس الماء، واحتملوهما في مراكبهم، فأخبرا بهذه الكائنة.

ولما وصل هذا الخبر إلى عكا قطع قلوب من بها، وأسقط في أيديهم، وهرب جماعة من الأمراء منها، فألقوا أنفسهم في شخاتير صغار، فأضعف ذلك قلوب من بقي بها. وعظمت النكاية في سور المدينة، وفشلوا، وكاتبوا السلطان، فأذن لهم في مصالحة الفرنج عن أنفسهم بالبلد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015