جعلوا في البطسة وقوداً كثيراً، ليلقوه في البرج إذا اشتعلت النار فيه. وعبؤوا بطساً ملؤوها حطباً، على أنهم يدفعونها لتدخل بين بطس المسلمين، ثم يلهبونها لتحرق بطس المسلمين.
وجعلوا في بطسة ثالثة مقاتلة، تحت قبو، بحيث لا يصل إليهم نشاب، ويكونون تحت القبو، ويقدمون البطسة إلى البرج، فأوقدوا النار، وضربوا النفط، فانعكس الهواء عليهم، فاحترقت البطسة، وهلك من فيها، واحترقت البطسة الثانية، وأخذها المسلمون، وانقلبت الثالثة التي فيها القبو بمن فيها.
وفي هذه السنة، في ربيع الأول، أحرق المسلمون ما كان صنعه الفرنج من آلات الحرب والزحف إليهم، وهي أبرجة عظيمة المقدار، يزحف بها على عجل، وفيها المقاتلة، والجروخ، والمجانيق، فعمد لها رجل دمشقي يعرف بعلي بن النحاس، فرماها من السور، بقدور نفط متتابعة، وصار فيها ريح غريبة، كانت سبباً لإحراق تلك الآلات وما فيها ومن فيها.
واشتد حصار الفرنج على عكا، ومل من بها من الأجناد المقام، ووصل إليهم من مصر مراكب فيها غلة، فأتلفوها بالإضاعة وبالتغريق، تبرماً بالمقام.
وفي ربيع الأول، وصلت من بلاد الفرنج مراكب كثيرة، فيها ألوف من مقاتلة الفرنج من أكبرهم ملكان: يعرف أحدهما بملك الفرنسيس والآخر بملك انكتير، فاشتدت وطأتهما على عكا، وعظمت نكايتهما، في سورها. وقل ما بها من الميرة والسلاح.
فأمر السلطان بأن أوسق مركب عظيم من بيروت، واستكثر فيه من السلاح والأقوات والمقاتلة، وأظهر عليه زي الفرنج وشعارهم، وأخذ قوم من أساري الفرنج الذين في قبضة المسلمين، فتركوا على ظاهر المركب، وأنزل معهم في المركب جماعة من المسلمين ممن يعرف لغة الفرنج، وتزيوا بزي الفرنج، وحلقوا شعورهم، وأخذوا معهم خنازير، ورفعوا على قلع المركب صليباً. وأوهموا الفرنج