القسم الرابع والعشرون
الخطبة والحداد
وقام الملك الصالح بالملك بعده. وكان عمره إحدى عشرة سنة، وحلف له الأمراء بدمشق. وخطب له الملك الناصر صلاح الدين بمصر، وأرسل إليه رسولاً يعزيه، ومعه دنانير مصرية عليها اسمه، ويعلمه أنه في طاعته، وأن الخطبة أقيمت له بمصر.
وأما حلب فكان الوالي بقلعتها جمال الدين شاذبخت الخادم الهندي، عتيق نور الدين وهو الذي بنى المدرسة، لأصحاب أبي حنيفة بحلب، وقبر بها، فوصله كتاب الطير بوفاة نور الدين، فأمر في الحال بضرب الدبادب، والكوسات، والبوقات. وأحضر المقدمين والأعيان بحلب، والفقهاء والأمراء، وقال: قد وصل كتاب الطائر، يخبر أن مولانا الملك العادل قد ختن ولده، وولاه العهد بعده، ومشى بين يديه.
فأظهروا السرور بذلك، وحمدوا الله تعالى، فقال لهم: تحلفون لولده الملك الصالح، كما أمر الملك العادل بأن حلب له، وأن طاعتكم له وخدمتكم، كما كانت لأبيه. فحلف الناس على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم، في ذلك اليوم، ولم يترك أحداً منهم يزول من مكانه.