بلاد الفرنج من الجهة الأخرى، فقيل للملك الناصر: إن دخل نور الدين من جانب وأنت من هذا الجانب ملك بلاد الفرنج، فلا يبقى لك معه بديار مصر مقام، وإن جاء وأنت ههنا فلا بد لك من الإجتماع به، وببقى هو المتحكم فيك بما شاء، والمصلحة الرجوع إلى مصر.

فرحل عن الشوبك إلى مصر، وكتب إلى نور الدين يعتذر باختلال أمور الديار المصرية وأن شيعتها عزموا على الوثوب بها، فلم يقبل نور الدين عذره، وتغير عليه وعزم على الدخول إلى الديار المصرية.

فسمع الملك الناصر، فجمع أباه نجم الدين وخاله شهاب الدين، وتقي الدين عمر، وغيرهم من الأمراء، وأعلمهم ما بلغه من حركة نور الدين واستشارهم، فلم يجبه أحد، فقام تقي الدين، وقال: إذا جاءنا قاتلناه. ووافقه غيره من أهله، فشتمهم نجم الدين أيوب والد الملك الناصر، وأقعد تقي الدين، وقال للملك الناصر: أنا أبوك، وهذا شهاب الدين خالك، ونحن أكثر محبة لك من جميع من ترى، ووالله لو رأيت أنا وهذا خالك نور الدين لم يمكننا إلا أن نقبل الأرض بين يديه، ولو أمرنا أن نضرب عنقك بالسيف لفعلنا. فإذا كنا نحن هكذا، فما ظنك بغيرنا، وكل من نراه عندك، فهو كذلك، وهذه البلاد لنور الدين، ونحن مماليكه ونوابه فيها، فإن أراد عزلك سمعنا وأطعنا، والرأي أن تكتب كتاباً مع نجاب وتقول له: بلغني أنك تريد الحركة لأجل البلاد، ولا حاجة إلى ذلك بل يرسل المولى نجاباً يضع في رقبتي منديلاً، ويأخذني إليك. وتفرقوا.

فلما خلا نجم الدين أيوب بالملك الناصر قال له: كيف فعلت مثل هذا؟ أما تعلم أن نور الدين إذا سمع عزمنا على منعه ومحاربته جعلنا أهم الوجوه إليه، وحينئذ لا نقوى به، وأما إذا بلغه طاعتنا له تركنا واشتغل بغيرنا والأقدار بيد الله، ووالله لو أراد نور الدين قصبة من قصب السكر لقاتلته عليها حتى أمنعه أو أقتل. ففعل ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015