وتنادى أُخْرَى، يَا ليتنا نرد فنعمل غير الَّذِي كُنَّا نعمل، وَتقول أُخْرَى رب ارجعوه، وتستغيث أُخْرَى هَل إِلَى مرد من سَبِيل، فرحم الله من نظر لنَفسِهِ، قبل غرُوب شمسه، وَقدم لغده من أمسه، وَعلم أَن الْحَيَاة تجر إِلَى الْمَوْت، والغفلة تقود إِلَى الْفَوْت، وَالصِّحَّة مركب الْأَلَم، والشبيبة سفينة تقطع إِلَى سَاحل الْهَرم.

وَإِن شَاءَ قَالَ بعد الْخطْبَة

إخْوَانِي مَا هَذَا التواني، والكلف بالوجود الفاني، عَن الدَّائِم الثَّانِي، والدهر يقطع بالأماني، وهادم اللَّذَّات قد شرع فِي نقض المباني إِلَّا مُعْتَبر فِي معالم هَذِه الْمعَانِي [الْأَمر تحل عَن مَقَابِر هَذِه الْمعَانِي] :

(أَلا أذن تصغي إِلَى سميعة ... أحدثها بِالصّدقِ مَا صنع الْمَوْت)

(مددت لكم صوتي بأواه حسرة ... على مَا بدا مِنْكُم فَلم يسمع الصَّوْت)

(هُوَ الْغَرِيب الْآتِي على كل دمنة ... فتولوا سرَاعًا قبل أَن يَقع الْفَوْت)

يَا كلفا بِمَا لَا يَدُوم، يَا مفتونا بغرور الْمَوْجُود الْمَعْدُوم، يَا صريع جِدَار الْأَجَل المهدوم، يَا مشتغلا ببنيات الطَّرِيق، قد ظهر المناخ، وَقرب الْقدوم، يَا غريقا فِي بحار الأمل مَا عساك تقوم، يَا مُعَلل الطَّعَام وَالشرَاب، ولمع السراب لابد أَن يهجر المشروب، وَيتْرك المطعوم، دخل سَارِق الْأَجَل بَيت عمرك، فسلب النشاط، وَأَنت تنظر، وطوى الْبسَاط وَأَنت تكذب. واقتلع جَوَاهِر الْجَوَارِح، وَقد وَقع بك البهت، وَلم يبْق إِلَّا أَن يَجْعَل الوسادة على أَنْفك وَيفْعل:

(لَو خفف الوجد عَنى دَعَوْت طَالب ثارى ... كلا إِنَّهَا كلمة هُوَ قَائِلهَا كَيفَ التَّرَاخِي)

والفوت مَعَ الأنفاس يرتقب وينتظر، كَيفَ الْأمان، وهادم اللَّذَّات لَا يبْقى وَلَا يذر، كَيفَ الركون إِلَى الطمع الفاضح، وَقد صَحَّ الْخَبَر من فكر فِي كرب الْخمار،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015