سَاقه واجتنى ثَمَرَة الْعلم من بَين أوراقه، وَجمع الْكثير من مختلفاته على بعد شامه من عراقه، حَتَّى اِنْفَسَحَ فِي الْمعرفَة مجاله وَشهِدت لَهُ بالإجادة شُيُوخه وَرِجَاله، وَهُوَ الْآن خطيب معقل الْجَبَل حرسها الله على طَريقَة عَرَبِيَّة، وحاله من الله قريبَة، ملازم لظل جِدَاره، منقبض فِي كن دَاره ذُو همة يحسدها النَّجْم على بعد مَدَاره، ورفعة مِقْدَاره. لَقيته وَالْحَال سقيمة، والمحلة بِظَاهِر جبل الْفَتْح مُقِيمَة، والعدو فِي الْعدوان مستبصر، والردى محلق، وحزب الْهدى مقصر، فَرَأَيْت رجلا بَادِي السكينَة وَالْوَقار، نَاظرا للدنيا بِعَين الاحتقار زاهدا فِي المَال وَالْعَقار، صَاحب دمعة مجيبة، ومجالسة عَجِيبَة، فَكَانَ لقاؤه فَائِدَة الرحلة الْعَظِيمَة العنا، وموجبا لَهَا حسن الثنا، وَله قسم من البلاغة وافر، وقسام فِي اللِّسَان سَافر.

وَمن ذَلِك فِي وصف أبي جَعْفَر بن أبي خَالِد

سَابق لَا تدْرك غَايَته، وَبَطل لَا تحجم رايته، وبليغ تزرى بالإفصاح كنايته،، طلع بذلك الْأُفق وَنجم، وصاب عَارض بَيَانه وانسجم، وعجم من عود البلاغة مَا عجم، فأطاعته القوافي والأسجاع، وَأَدَّاهُ إِلَى روض الإجادة الانتجاع، وَلم يزل يشحذ قريحته الوقادة ويستدعيها، وَيسمع الحكم ويعيها حَتَّى توفرت فِي البراعة أقسامه، وطبق مفاصل الْخطاب حسامه، مطرز المهارق ووشاها، ونضج أسرار البلاغة وأفشاها، وأنى من الرسائل بالأبى السَّائِل، إِلَى الدّين الَّذِي لَا تغمز قناته، والخلق الَّذِي يرضى الله حلمه وأناته، وَهَذَا الْخَطِيب وَابْن عَمه فَارِسًا رهان، ومقدمتا برهَان، وعلما بَيَان، ورضيعا لبان، لَكِن النثر أغلب على لِسَانه، والخطابة أعرق فِي نِسْبَة إحسانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015