وَمضى لسبيله رَحمَه الله، فقيدا أسَال الْغُرُوب، وهاج للأشجان الحروب، وَكَانَ لَهُ أدب أنيق الشارة، حسن الْإِشَارَة.
وَمن ذَلِك فِي وصف أبي الْقَاسِم بن جزي
مُجْتَهد عاكف، وَروض فنون جاده، من الْعلم كل واكف، أَقَامَ رسم مجده، وَرفع عمد بَيته فِي قبَّة الْعلم ونجده فَأصْبح صدر بَلَده، وأنجب خلفين كريمين من وَلَده، وَفرغ للْعلم من جَمِيع أَعماله، وتفيأ رياض دواوينه من عَن يَمِينه وشماله، وَاقْتصر على طلب كَمَاله مَعَ وفور ضيَاعه، ونمو مَاله، فدون الْكثير وصنف، وقرظ المسامع وشنف، وترقى إِلَى المكارم، وَهِي مَا هِيَ من جلالة للرتبة، وسمو الهضبة، ففرع سنامها، وَرفع أعلامها، وغصن شبابه ناضر، [وزمن فتايه حَاضر] فَوَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق وانعقد على فَضله الْإِجْمَاع والإصفاق، وَلم يزل يسْلك طَرِيق الْمُجْتَهدين، فدون فِي الْفِقْه الدَّوَاوِين، وسفر فِي علم اللِّسَان عَن وُجُوه الْإِحْسَان، ورحل فِي علم التَّفْسِير إِلَى كل طية، وركض فِي أغراضه كل مَطِيَّة، حَتَّى أنسى الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن عَطِيَّة، وَله من الْأَدَب حَظّ وافر، وَمذهب عَن الْحسن سَافر.
وَمن ذَلِك فِي وصف أبي البركات البلفيقي
وَاحِد الفئة، وَصدر من صُدُور هَذِه المئة، وَرجل هَذِه الْحَقِيقَة وَابْن رجالها، وَعلم هَذِه الطَّرِيقَة وَفَارِس مجالها، وتحفة الدَّهْر الَّتِي يقل لَهَا الكفا، وَبَقِيَّة السّلف الَّتِي يُقَال عِنْدهَا على آثَار من ذهب العفا، مَا شِئْت من شرف زاحم الثريا بمناكبه، ومجد خَفَقت بنود الْعلم فَوق مواكبه، وَحسب توارثه كَابر عَن كَابر، وأصالة تأصلت أدواحها بَين بطُون المحاريب وَظُهُور المنابر، ونشأة سحبت من العفاف ذيلا، وغضت الطّرف حَتَّى عَن الطيف لَيْلًا، وَمَعْرِفَة تساجل لجتها.