وَمن ذَلِك مَا صدر عني
فِي مفاخرة بَين مالقة وسلا مَا نَصه:
سَأَلتنِي عرفك الله عوارف السعد الْمُقِيم، وحملني وَإِيَّاك على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، المفاضلة بَين مدينتي مالقة وسلا، صان الله من بهما من النسم، وحباهما من فَضله بأوفر الْقسم، بعد أَن رضيت بحكمي قَاضِيا، وبفضلي الخطة سَيْفا مَاضِيا، لاختصاصي بسكني البلدين، وتركي فيهمَا الْأَثر للعين على أَن التَّفْضِيل إِنَّمَا يَقع بَين مَا تشابه وتقارب، أَو تشاكل وتناسب وَإِلَّا فَمَتَى يَقع التَّفْضِيل بَين النَّاس والنسناس، وَالْملك والخناس، وقرد الْجبَال، وظبي الكناس
مالقة، أرفع قدرا، وَأشهر ذكرا، وَأجل شَأْنًا [واعز مَكَانا] وَأكْرم نَاسا، وَأبْعد التماسا، من أَن تفاخر أَو تطاول، أَو تعَارض أَو تصاول، أَو تراجع أَو تعادل، وَلَكِنِّي سأنتهى إِلَى غرضك، وَأبين ربع مغترضك، وأباين جوهرك وعرضك، فبقول الْأُمُور الَّتِي تتفاضل بهَا الْبلدَانِ، وتتفاخر مِنْهَا بِهِ الإخوان، وتعرفه حَتَّى الولائد والولدان، هِيَ المنعة والصنعة والبقعة والشنعة، والمساكن والحضارة، والعمارة والإثارة والنضارة
فإمَّا المنعة، فلمالقة حرسها الله فضل الِارْتفَاع، ومزية الِامْتِنَاع. أما مقبثها فاقتعدت الْجَبَل كرسيا، ورفعها الله مَكَانا عليا بعد، أَن ضوعفت أسوارها وأقوارها، وسما بسنام الْجَبَل الْمُبَارك منارها، وقرت أبراجها وصوعدت أدراجها، وحصنت أَبْوَابهَا، وَحسن جنابها، وَدَار ببلدها السُّور والجسور، وَالْخَنْدَق المحفور فقلهراتها مداين بذاتها، وأبوابها المغشاة بالصفايح شاهدة بمهارة بناتها، وهمم أمرائها وولاتها، كَأَنَّهَا لبست الصَّباح سربالا،