مَعَ الأحيان مَا جرى بِهِ رسمك من عرض كتاب وَارِد، أَو خبر وَافد، أَو بريد قَاصد واستأمره فِيمَا جرت بِهِ العوايد، وَإِن خصت لَدَيْهِ منزلتك، ولطفت مِنْهُ، محلتك، فَلَا تتْرك أَن يمر ذَلِك على سَمعه، معتنيا لرعيه، وأذقه حلاوة الاستبداد بأَمْره وَنَهْيه، واترك لَهُ منفذا [يحْتَج لَهُ بَابه] عِنْد مغيبك، كَمَا تحببه الْعدْل من نصيبك ولازم سدته مَعَ الأحيان، وَإِيَّاك أَن تَجْتَمِع مَعَه على فرَاغ، فَيبقى الْملك مضيعا بِمِقْدَار ذَلِك الزَّمَان، وَإِذا انصرفت إِلَى منزلتك، فاختل بعمالك وكتابك، وَذَوي الرَّأْي والنصيحة من أَصْحَابك، على إحكام حَال الْملك الَّذِي ناطها بك، فَإِذا أمسيت، فاشغل طايفة من ليلك بمدارسة شَيْء من حكم الدّين، وأخبار الْفُضَلَاء المهتدين، واجل صدا نَفسك بالبراهين، ومجالسة الْعلمَاء وَالصَّالِحِينَ، وَاخْتِمْ سعيك بِبَعْض صحف النَّبِيين، وأدعية الْمُرْسلين والمتألهين لتختم يَوْمك بِالطَّهَارَةِ والعفة، والحلم والرأفة واعتدال الكفة، وليهون عَلَيْك النصب والوصب، والعمر المغتصب، إِنَّك مهتد بِهَدي رَبك الَّذِي يرعاك وينجح مسعاك، ويثيبك على مَا إِلَيْهِ دعَاك.
قَالَ فَلَمَّا استوفى النمر مقاله، وأحرز الشبل سُؤَاله، وَقرر حَاله، انْصَرف متجها إِلَى خدمته، وَصرف النمر إِلَى الْعِبَادَة وَجه همته، ثمَّ لحق بعد ذَلِك بجوار ربه وَرَحمته، وَقيد الحاكي مَا أفادته هَذِه المحاورة، لتلفى رسما يَقْتَضِي وحلما بِهِ يَهْتَدِي إِذا ذهب الْأَثر وَعَفا. وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل.