لم ينازعوه يَوْمًا فِي طلب ملك، وَلَا سعوا على بهجته بهلك، وَإِنَّمَا خطبوا مِنْهُ خططا كَانَت بِأَيْدِيهِم، ورتبا نالوها من أَبِيهِم، انتزعها لما سَاءَ ظَنّه فيهم، شهدُوا لَهُ الرُّجُوع إِلَى خدمته حَيْثُ كَانَت، وذلت سبالتهم فِي التمَاس إِعَادَتهَا، وهانت أود الإغضاء فهم بمواضعهم إِلَى تَمام أَرْبَعَة أَعْوَام، بمهادنة مبرمة، وموادعة محكمَة، مدون عِنْد انْقِضَائِهَا على حكمه، ويلقون يَد الرَّغْبَة إذعانا إِلَى سلمه، ويجعلون نواصبهم بيَدي عِقَابه إِن شَاءَ الله أَو حلمه، فَرَمَاهُمْ بدائهم، وصم عَن ندائهم، وزاحمهم بمنكب الْملك، واضطرهم إِلَى مهاوى الهلك، واستخلص مِنْهُم مَا كَانَ بِأَيْدِيهِم من المدن الْكَبِيرَة، وَالْقَوَاعِد الخطيرة، كطورو وطليطلة وَغَيرهمَا من الأمات الشهيرة، وتحصلت أمه وزوجه، الموليتان عَلَيْهِ فِي قهره، وَدخل أَخُوهُ الميسر فِي أمره، وَاسْتقر القند بِبِلَاد جليقية شريد خَوفه، وطريد ذعره، مُخَيّرا بَين خطتي الْحسب من الْخُرُوج عَن عمالته، أَو الدُّخُول على الحكم فِي إيالته. وَأما حَالهم فِي طَرِيق المجاعة الفاشية، والضيقة الناشية، والمسغبة الْمهْلكَة للحرث والماشية، فَالَّذِي صَحَّ عندنَا فِيهَا، أَن الْأَحْوَال بالبلاد الأندلسية فِي ذَلِك مُتَقَارِبَة، وَأَن الْحَاجة شملت النَّاس قاطبة، وَالسّنة لم تخْتَص بشدتها الْبِلَاد الْكَافِرَة، وَلَا اعتمدت الفئة الزائفة عَن الْحق النافرة، إِنَّمَا هُوَ أزل شَمل الْبِلَاد والصياصي، وقحط نَالَ جهتي الْمُطِيع والعاصي، فَمن كَانَت لَهُ قُوَّة على احْتِمَاله، ظهر صبره، وَمن قلت ذَات يَده، افتضح أمره. وبلادهم الشمالية، فِيمَا بلغنَا، سليمَة من الضّر، مجودة بالسحاب الغر، تمد الْبِلَاد الساحلية مِنْهَا مراكب الْبر. وَمَعَ هَذَا، فَإِذا اعْتبر فرارهم أَمَام المجاعة. وهم عدد قَلِيل لم يلف فيهم مثيل، وَلَا من لَدَيْهِ مَتَاع أثيل، إِنَّمَا يفر مِنْهُم ذاعر يسترفد كده، وينتجع عمله، أَو صعلوك لَا مَال لَهُ، أَو صَاحب حسيفة من خدام أخوة سلطانهم مِمَّن لم يقدر على ضبط مَا جعل بِيَدِهِ، وضاق عَن مقاومة مَا يحاوره لقلَّة عدده،