فِيهَا إمهالا، وَلَا فسحنا لَهُم فِي الْإِقَالَة مجالا، وقبضنا على جَمِيعهم، مَعَ تبَاين أُمُورهم، وتباعد مَنَازِلهمْ ودورهم قبضا هائلا، لم يفلت مَعَه مِنْهُم أحد، وَلَا انخرم من جُمْلَتهمْ عدد، وثقفناهم بحمرائنا فِي أَمَاكِن لَهُم أعددناها، ورتبنا عَلَيْهِم الحراسة وجددناها، نكالا لما وَقع من الْأَمر الَّذِي حرصنا على سد بَابه، وجهدنا فِي قطع أَسبَابه، وبادرنا إِلَى تَعْرِيف مقامكم الَّذِي نعتد بجنابه، ونمحض لَهُ من الود صفو لبابه، ليَكُون على علم من هَذَا الْوَاقِع الَّذِي اتّفق، وَالْأَمر الَّذِي غلب الحزم عَلَيْهِ قدر سبق، بِمُقْتَضى الود الَّذِي تقرر وَتحقّق، والخلوص الَّذِي فرع وانبثق، وَنحن على علم بِأَن أَخَاكُم ركب بحرا لَا نجاة لراكبه، وامتطى صعبا يقطع بِهِ عَن مآربه، إِذْ لَا بُد للنصرى من أَصْحَابه إِلَى سلطانهم، وَهُوَ فِي الْوَقْت بداخل سُلْطَان قشتالة، بِحَيْثُ تَتَعَدَّد المراحل، وتطول الْأَيَّام، ويتعذر على قاصده المرام، وأحوال النصرى فِي فتور هَذِه الْأُمُور لديهم لَا تتخيلها الأوهام، وَلم يزل يتَّصل بهم أهل البسالة من كبار الْبَأْس والإقدام، وأولو المضا الْمَشْهُور والاعتزام، فيستولي على أُمُورهم الاختلال، وتشملهم الْحَاجة، وتضيق مِنْهُم الْأَحْوَال، فَمنهمْ من يرجع أدراجه، بعد أَن يكون الصفح وَالْإِقَالَة أقْصَى أمْنِيته. وَمِنْهُم من يرتجيه مِمَّا تورط فِيهِ حُلُول منيته، وسعادتكم تتكفل بجريان الْأُمُور أفضل مجاريها، واستقامة الْأَحْوَال على أوثق مبانيها، وَقد وجهنا إِلَيْكُم بكتابنا هَذَا الْقَائِد الكذا لكَونه مِمَّن اتّفق لمشاهدة هَذَا الْأَمر حُضُوره، وَحدثت بمرأى مِنْهُ أُمُوره، فَهُوَ يلقى إِلَيْكُم مَا قَررنَا مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحبّ، ويشرح منَّة مَا أجمله الْكتب. ومقامكم يصغي إِلَى مَا يلقيه، ويقابل بِالْقبُولِ مَا يُؤَدِّيه. وَالله سُبْحَانَهُ يصل سعدكم، ويحرس مجدكم، وَالسَّلَام الْكَرِيم يخصكم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.