حضرتنا أَمَاكِن مباركة مَشْهُورَة. وزواياها مباركة مَقْصُودَة، ينفر إِلَيْهَا الْجُمْهُور فِي اللَّيَالِي الَّتِي يقوم بهَا للبر سوق، وَتوفى من تعظيمها حُقُوق، وخصوصا لَيْلَة مِيلَاد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ابْتِغَاء الْبركَة لَدَيْهِ، فَهِيَ بِحَيْثُ ذكر من المواسم الَّتِي ينتدب إِلَيْهَا النَّاس، وتتسابق مِنْهُم الْأَنْوَاع والاجناس، وَإِن أَخَاكُم أَبَا الْفضل، لما كَانَ قد استبطن عقيدة المكيدة، وَأثر اتِّبَاع الآراء غير السديدة، جعل قصد ذَلِك ليلتئذ سَببا لأربه، وورى بهَا عَن مذْهبه. وَمن الْغَد تفقدنا ففقدناه، ووصلنا عادتنا فِي طلبه، فتعرفنا مَا كَانَ من هربه، فبادرنا إِلَى تَوْجِيه الفرسان فِي أَثَره، وطيرنا من أنجاد الخدام من يعوقه عَن وطره، والمرحلة الَّتِي بَيْننَا وَبَين بلد النصرى قريبَة على من يرْكض الْخَيل، وَيقطع بحث ركابه اللَّيْل، فألفوه قد لحق بِأَرْض النصرى، رَاكِبًا فِي قَصدهَا الْخطر، ومقتحما فِي تأميلها الْغرَر، فِي حميلة تنتمي إِلَى ثَلَاثَة عشر لَيْسَ فيهم من بِهِ عِبْرَة، وَلَا من تميزه شهرة، إِلَّا من كَانَ من يَعْقُوب بن أبي عياد شَيْطَانه الَّذِي أغواه، وجذبه من شطن هَوَاهُ، وأرداه فِي ورطة، يتَعَذَّر مِنْهَا منجاه، فَإِن من خاطر بِنَفسِهِ فِي قصد بِلَاد النصرى للغرض الَّذِي قَصده، وَالْمذهب الَّذِي اعْتَمدهُ، قَلما نجح لَهُ عمل، وَلَا تأتى لَهُ مِنْهَا أمل، وَلَا يساعده حَاضر من الزَّمَان وَلَا مُسْتَقْبل، فَهِيَ مثابة وجودهَا عدم، ومفازة، لَيْسَ على الطَّرِيق بهَا علم، قطعت بِمن قَصدهَا على الْقدَم، وقضت بتمزيق الشمل، ومذلة النَّدَم. فامتعضنا لهَذَا الْوَاقِع عِنْدَمَا تعرفناه، ووجهنا إِلَيْهِ وَجه الْعَزْم وصرفناه، ورجعنا على أَخِيه وَأَبْنَاء عَمه باللأئمه الَّتِي لم نقبل فِيهَا عذرا، وَلَا أثرنا فِيهَا صبرا إِذْ كُنَّا قد أغرينا بَينهم، فَجعلنَا بَعضهم على بعض عيُونا ساهرة، ورقبا تبحث عَن كل خافية وظاهرة، فاتهمناهم بكتمانهم مَا استوثقنا مِنْهُم فِيهِ، والمداهنة فِي هَذَا الْأَمر الَّذِي لَا ترتضيه، فكبسنا مَنَازِلهمْ بِالرِّجَالِ مرّة وَاحِدَة، لم نوسعهم