فأما الأكياس فراضوا أنفسهم، فأدبوها، فامتنعوا من الحلال المطلق لهم، حتى هدأت جوارحهم، وإنما هدأت وسكنت لسكون غليان شهوة النفس، فإذا استعملوها كان القلب أميراً قاهراً، فاستعمل تلك الشهوة بما يريه العقل، ويزين له، ويحد له، فيؤدبه بأدب الله عز وجل الذي أدبه، فهناك يملك نفسه أن تقف على الحلال فلا تجاوزه، فهو ينطق، فإذا بلغ في منطقة مكاناً يصير ذلك الكلام عليه غيبة أو كذباً، ملك نفسه، فامتنع وتورع، لأن شهوة الكلام قد ماتت منه، فهو يتكلم لله غز وجل وابتغاء مرضاته، وكذلك النظر؛ إذا كان قد راض نفسه حتى ماتت منه شهوة النظر، ملك نفسه عند الحرام؛ وملك السمع، وسائر الجوارح السبع. روي أن سهل بن علي المروزي رحمه الله تعالى، كان إذا مشى في السوق حشا أذنيه بالقطن، ورمى ببصره إلى الأرض، وكان يقول لامرأة أخيه وهي في الدار معه: استتري مني، وكان ذلك دأبه زمانا، ثم ترك ذلك ورمى بالقطن، ورفع بصره إلى الناس، وقال لامرأة أخيه: كوني كيف شئت، فذلك منه حيث وجد شهوته ميتة. وروي عن عامر بن عبد قيس رحمه الله تعالى أنه قال: ما أبالي امرأة لقيت أو حائطاً.