أحل للعبد إمضاء تلك الشهوة، وقضاء تلك النهمة، بصفة وهيئة؛ وحرم عليه بصفة أخرى وهيئة، كالمرأة يطؤها بالنكاح فتحل، ويطؤها بغير نكاح فتحرم عليه؛ وكذلك كل شيء خرج من هذه الجوارح من الحركات، وقد أخذ عليه يوم الميثاق ألا يعمل جارحة إلا بما أطلق له في التنزيل، وعلى ألسنة الرسل، وقبل العبد ذلك يومئذ، فأوثقه بما ضمن، فاقتضاه الوفاء، ولذلك سمي بالعجمية (بنده) لأنه أوثق بما قيل من الطاعة في الأمر والنهي، فإذا وفى له بتلك البندكية، وفى له بالعهد، وهي الجنة، فقام العبد بمجاهدة النفس عندما يعرض ذكر شهوة محرمة عليه، فعلى العبد أن يجاهدها بقلبه، بما فيه من المعرفة، وتعلقه بالمواعظ التي وعظه الله عز وجل، من الوعد والوعيد، وذكر الموت والحساب والقبر والقيامة، حتى يزجر النفس والعدو، فإذا كان العبد لم يرض نفسه قبل ذلك ولم يؤدبها، ولم يعودها رفض ما ذكرنا بدءاً، من رفض هذه الشهوة المطلقة له حتى تذل وتسكن، ويلزمها خوف الله عز وجل وخشيته، لم يملك نفسه عند ذكر ما يعرض لها، ولم يقدر على تسكينها، بل هي تغلب القلب بما فيها من سلطان الفرح والزينة والشهوة، فيصير القلب أسيراً للنفس، بعد أن كان أميراً على النفس، لأن إمارة القلب بالمعرفة، وبما أعطى من هذه الأنوار التي وصفنا، من نور العقل، ونور الحفظ، ونور الفهم، ونور العلم، ونور السكينة،
فأجمل للعبد في الأمر، فقيل له جاهد في الله عز وجل حق جهاده، فمن لم يرض نفسه قبل ذلك، فإذا جاهد فربما غلب وربما غلب، فلذلك يوجد العبد مرة طائعاً ومرة عاصياً في شهوة واحدة،