فكذلك الآدمي، يؤدب كما تؤدب هذه الطيور والدواب، بالفطم عن عاداتها، وكل شيء تجد النفس لذته في وقت تفرح بذلك الشيء، فإذا فرحت به فقد تدنس بذلك الفرح، فيصير غشاء عليه، حجاباً له من ذلك الفرح؛ فكان أهل الصدق في هذه الطريق يلزمون هذا الباب الذي وصفت، فكل شيء تفرح نفوسهم به من وجود
لذة ذلك الشيء كائناً ما كان، من طعام أو شراب، أو لباس أو أهل، أو ولد، أو أخ، أو مؤنس، أو أصحاب، أو أمكنة، أو عرض من عروض الدنيا؛ فكانوا يتوقون الفرح لذلك، فيأخذون من ذلك الشيء ألي لا بد لهم منه على الضرورة، ثم يهربون من لذته، خوفاً على النفس أن تفرح بذلك، فإذا دام على ذلك صاحبه، فذلك تقوى الباطن. وأما تقوى الظاهر فهو حفظ الجوارح مع الخلق والملائكة.
فإذا فعل ذلك فأدى الفرائض لمواقيتها وحددوها، واستعان على النفس برؤية الموتى والمقابر وأهل السجون، والمواضيع التي فيها النيران العظيمة، من الأتون ومذاب جواهر الزجاج، فإن في ذلك قمعاً للنفس، أورثه فعله بنفسه الغم، ومن الغم الهم والأحزان. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عبد الله عز وجل بمثل طول الأحزان).
وصلى الله على محمد وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.