وروي عن بعض التابعين أنه قال: ألزمت نفسي الصمت بحصاة جعلتها في فمي، وكان إذا أكل أخرجها، وإذا فرغ وضعها في فيه، وكذلك إذا صلى، فبقى في ذلك أربعين سنة، حتى لزمت نفسه الصمت، فرمى بها، وروى لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مر برجل يعبث في صلاته بلحيته، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه؛ وإنما يخشع القلب بما يتجلى له من عظمة الله عز وجل وجلاله، ويهيج من النفس الخوف والخشية والحياء منه، فيوجل القلب، فإذا خافت النفس وخشيت، فوجل القلب واستحيا،
سكنت الجوارح، وملك القلب جوارحه، ووقف بها على الحدود. فإذا ترك الرياضة أحاطت بالقلب فورات الشهوات، وحلاوتها وزينتها كالدخان والغيم، فلم يستبن إشراق الأنوار، وانكمنت الأنوار بما فيها من السرور والبهجة والزينة والحلاوة واللذة، فلم يتجل في الصدر نور العظمة والسلطان، وافتقد صاحبه الخوف والخشية والحياء أن يعملوا على القلب والنفس، فأصابت النفس نهمتها بنما زين لها العدو، ومناها الغرور والأماني الكاذبة، يعدها سعة المغفرة، ووفارة الرحمة، وفيض العفو والتجاوز، ويحدث نفسه بالتوبة، ليتجرأ على الذنب