لَوْ أَنَّ جَمْرَ جَوَانِحِي مُتَلَبِّسٌ ... بالنَّار أطفأحرها وَأَذَابَهَا
ثُمَّ أَكْبَ عَلَى الْقَبْرِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَجَاءَهُ غُلامٌ بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فَأَفَاقَ فَشَرِبَ وَأَنْشَأَ يَقُولُ
الْيَوْمُ ثَابَ لِيَ السُّرُورُ لأَنَّنِي ... أَيْقَنْتُ أَنَّ عَاجِلا بِكَ لاحِقُ
فَغَدًا أُقَاسِمُكَ الْبِلَى وَيُسُوقُنِي ... طَوْعًا إِلَيْكَ مِنَ الْمَنِيَّةِ سَائِقُ
ثُمَّ قَالَ لِي قَدْ وَجَبَ حَقِّي عَلَيْكَ فَاحْضُرْ غَدًا جَِنَازَتِي قُلْتُ يُطِيلُ اللَّهُ عُمْرَكَ
قَالَ إِنِّي مَيِّتٌ لَا مَحَالَةَ فَدَعَوْتُ لَهُ بِالْبَقَاءِ فَقَالَ لَقَدْ عَقَقْتَنِي أَلا قُلْتَ
جَاوِرْ خَلِيلَكَ مُسْعِدًا فِي رَمْسِهِ ... كَيْمَا يَنَالَكَ فِي الْبِلَى مَا نَالَهُ
فَانْصَرَفْتُ وَطَالَتْ عَلَيَّ لَيْلَتِي وَغَدَوْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ قَالَتْ أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامَةَ الْقُضَاعِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ حرزاد قَالَ أَنبأَنَا جَعْفَر ابْن شَاذَانَ الْقُمِّيُّ قَالَ كَانَ عَمْرُو بْنُ يُوحَنَّا النَّصْرَانِيُّ يَسْكُنُ فِي دَارِ الرُّومِ بِبَغْدَادَ مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صُورَةً وَأَجْمَلُهُمْ وَكَانَ مُدْرَكُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ يَهْوَاهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْوَسْوَاسِ وَسُلَّ جِسْمُهُ وَذُهِلَ عَقْلُهُ فَلَزِمَ الْفِرَاشَ فَحَضَرَهُ جَمَاعَةٌ فَقَالَ لَهُمْ أَلَسْتُ صَدِيقَكُمُ الْقَدِيمُ الْعِشْرَةِ لَكُمْ أَمَا فِيكُمْ أَحَدٌ يُسْعِدُنِي بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ عَمْرٍو
فَمَضَوْا بِأَجْمَعِهِمْ إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ إِنْ كَانَ قَتْلُ هَذَا الْفَتَى دِينًا إِنَّ إِحْيَاءَهُ لَمَرُوءَةٍ
قَالَ وَمَا فَعَلَ قَالُوا قَدْ صَارَ إِلَى حَالٍ مَا أَظُنُّكَ تَلْحَقُهُ
فَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَنَهَضَ مَعَهُمْ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَمْرٌو وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ كَيْفَ تَجِدُكَ يَا سَيِّدِي فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ