قَالَ وَاللَّهِ يَا أَخِي مَا هُوَ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ وَلَكِنَّهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَلَسْتُ أُبْدِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الأَمْرُ آخِرَهُ وَيَخْرُجَ مِنْ يَدِي وَلا أَسْتَطِيعُ رَدَّهُ قَالَ وَلَهِجَ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ
أَلا إِنَّمَا التَّقْوَى رَكَائِبُ أُدْلِجَتْ ...
قَالَ فَعَظُمَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِهِ وَشَغَلَ قَلْبِي وَأَخَذَهُ شَبِيهٌ بِالسَّهْوِ وَيَقُولُ فِي بَعْضِ السَّاعَاتِ رَبِّ لَا تَسْلُبْنِي دِينِي وَلا تَفْتِنِّي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا أَرَاهُ إِلا وَقَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ وَسْوَسَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَهُوَ يَخَافُ وَمَكَثَ بِذَلِكَ حِينًا مَا يَزْدَادُ إِلا ضَنًى وَجَعَلَ أَهْلُهُ يَسْأَلُونَنِي فَأَقُولُ وَاللَّهِ مَا علمي بِهِ إِلَّا كعلمكم وَلَقَد سَأَلته عَنْ حَالِهِ فَمَا يُخْبِرُنِي بِشَيْءٍ
وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَمْرُ فَسَقَطَ عَلَى الْفِرَاشِ وَكَانَ النَّاسُ يَعُودُونَهُ وَدَخَلَ الأَطِبَّاءُ عَلَيْهِ فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سُلٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ غَمٌ وَاخْتَلَفَتْ فِي أَمْرِهِ عَلَيْنَا الأَقَاوِيلُ وَكَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ
أَلا إِنَّمَا التَّقْوَى رَكَائِبُ أُدْلِجَتْ ... فَأَدْرَكَتِ السَّارِي بِلَيْلٍ فَلَمْ يَنَمْ
قَالَ وَلَمْ يَزَلْ بِهِ الأَمْرُ حَتَّى غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ وَضَاقَ بِهِ مَكَانُهُ فَأَدْخَلْنَاهُ بَيْتًا فَكَانَ يَصْرُخُ اللَّيْلَ كُلَّهُ فَإِذَا مَلَّ مِنَ الصُّرَاخِ أَنَّ كَمَا يَئِنُّ الْمُدْنِفُ مِنْ عِلَّتِهِ فَأَشَارُوا عَلَيْنَا بِتَخَلِيَتِهِ وَقَالُوا إِنَّكُمْ إِنْ خَلَيْتُمُوهُ تَفَرَّحَ وَاسْتَرَاحَ فَخَلَيْنَاهُ فَكَانَ إِذَا أَصْبَحَ خَرَجَ فَقَعَدَ عَلَى بَابِ دَارِهِ فَكُلُّ مَنْ مَرَّ بِهِ سَأَلَهُ أَيْنَ تُرِيدُ فَيَقُولُ أُرِيدُ مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ اذْهِبْ مَحْفُوظًا لَوْ كَانَ طَرِيقُكَ عَلَى بغيتنا أَو دعناك كَلامًا
قَالَ فَمَرَّ بِهِ بَعْضُ إِخْوَانِهِ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ حَيْثُ تُحِبُّ فَهَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا هِيَ فَقَالَ