فَلا أَنْسَى نَدَامَتَنَا عَلَى مَا صَنَعْنَا
وَقَدْ رُوِيَتْ لَنَا هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ
فأَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ قَالَتْ أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحسن ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَرْزُوقٍ قَالَ أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي الْمُبَرِّدُ قَالَ خَرَجْتُ أَنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِي مَعَ الْمأْمُونِ فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْ نَحْوِ الرِّقَّةِ إِذَا نَحْنُ بِدَيْرٍ كَبِيرٍ فَأَقْبَلَ إِلِيَّ بَعْضُ أَصْحَابِي فَقَالَ مِلْ بِنَا إِلَى هَذَا الدَّيْرِ لِنَنْظُرَ مَنْ فِيهِ وَنَحْمَدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا رَزَقَنَا مِنَ السَّلامَةِ فَلَمَّا دَخَلْنَا إِلَى الدَّيْرِ رَأَيْنَا مَجَانِينَ مُغَلْغَلِينَ وَهُمْ فِي نِهَايَةِ الْقَذَارَةِ فَإِذَا مِنْهُمْ شَابٌّ عَلَيْهِ ثِيَابٌ نَاعِمَةٌ فَلَمَّا بَصُرَ بِنَا قَالَ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُمْ يَا فِتْيَانُ حَيَّاكُمُ اللَّهُ فَقُلْنَا نَحْنُ مِنَ الْعِرَاقِ فَقَالَ بِأَبِي الْعِرَاقُ وَأَهْلُهَا بِاللَّهِ أَنْشِدُونِي أَوْ أُنْشِدُكُمْ فَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَاللَّهِ إِنَّ الشِّعْرَ مِنْ هَذَا لَظَرِيفٌ فَقُلْنَا أَنْشِدْنَا فَأَنْشَأَ يَقُولُ
اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنِي كَمِدُ ... لَا أَسْتَطِيعُ أَبُّثُ مَا أَجِدُ
رُوحَانِ لِي رُوحٌ تَضَمَّنَهَا ... بَلَدٌ وَأُخْرَى حَازَهَا بَلَدُ
وَأَرَى الْمُقِيمَةَ لَيْسَ يَنْفَعُهَا ... صَبْرٌ وَلا يَقْوَى بِهَا جَلَدُ
وَأَظُنُّ غَائِبَتِي كَشَاهِدَتِي ... بِمَكَانِهَا تَجِدُ الَّذِي أَجِدُ
قَالَ الْمُبَرِّدُ إِنَّ هَذَا لَظَرِيفٌ وَاللَّهِ زِدْنَا فَأَنْشَأَ يَقُولُ
لَمَّا أَنَاخُوا قُبَيْلَ الصُّبْحِ عِيرَهُمُ ... وَرَحَّلُوهَا فَثَارَتْ بِالْهَوَى الإِبِلُ
وَأَمْرَرَتْ مِنْ خِلالِ السَّجْفِ نَاظِرَهَا ... تَرْنُو إِلَيَّ وَدَمْعُ الْعَيْنِ مُنْهَمِلُ