ذم الهوي (صفحة 538)

وَأَنْتَ فَأَمْتَعَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ بِقُرْبِكَ وَآنَسَ جَمَاعَةَ ذَوِي الْمُرُوءَةِ بِشَخْصِكَ وَجَعَلَنَا وَسَائِرَ مَنْ يُحِبُّكَ فِدَاكَ

فَقَالَ أَحَسَنَ اللَّهُ عَنْ جميل القَوْل جَزَاء كَمَا وَتَوَلَّى عَنِّي مُكَافَأَتَكُمَا

قُلْنَا وَمَا تَصْنَعُ فِي هَذَا الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ لِغَيْرِهِ أَهْلٌ

فَقَالَ

اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّنِي كَمِدُ ... لَا أَسْتَطِيعُ أَبُّثُ مَا أَجِدُ

رُوحَانِ لِي رُوحٌ تَضَمَّنَهَا ... بَلَدٌ وَأُخْرَى حَازَهَا بَلَدُ

أَمَّا الْمُقِيمَةُ لَيْسَ يَنْفَعُهَا ... صَبْرٌ وَلَيْسَ بِقُرْبِهَا جَلَدُ

وَأَظُنُّ غَائِبَتِي كَشَاهِدَتِي ... بِمَكَانِهَا تَجِدُ الَّذِي أَجِدُ

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ أَحْسَنْتُ قُلْنَا نَعَمْ وَوَلَيْنَا فَقَالَ بِأَبِي أَنْتُمْ مَا أَسْرَعَ مَلَلَكُمْ بِاللَّهِ أَعِيرُونِي أَفْهَامَكُمْ وَأَذْهَانَكُمْ قُلْنَا هَاتِ فَقَالَ لَمَّا أَنَاخُوا قُبَيْلَ الصُّبْحِ عِيرَهُمُ ... وَرَحَّلُوهَا فَسَارَتْ بِالْهَوَى الإِبِلُ

وَقَلَّبَتْ مِنْ خِلالِ السَّجْفِ نَاظِرَهَا ... تَرْنُو إِلَيَّ وَدَمْعُ الْعَيْنِ مُنْهَمِلُ

فَوَدَّعَتْ بِبِنَانٍ عَقْدُهُ عَنَمٌ ... نَادَيْتُ لَا حَمَلَتْ رِجْلاكَ يَا جَمَلُ

وَيْلِي مِنَ الْبَيْنِ مَاذَا حَلَّ بِي وَبِهَا ... يَا نَازِحَ الدَّارِ حَلَّ الْبَيْنُ فَارْتَحِلُوا

يَا رَاحِلَ الْعِيسِ عَرِّجْ كَيْ أُوَدِّعُهَا ... يَا رَاحِلَ الْعِيسِ فِي تِرْحَالِكَ الأَجَلُ

إِنِّي عَلَى الْعَهْدِ لَمْ أَنْقُضْ مَوَدَّتَكُمْ ... فَلَيْتَ شِعْرِي وَطَالَ الْعَهْدُ مَا فَعَلُوا

فَقُلْنَا وَلَمْ نَعْلَمْ بِحَقِيقَةِ مَا وَصَفَ مُجُونًا مَاتُوا فَقَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكُمْ مَاتُوا فَقُلْنَا انْظُرْ مَا تَصْنَعُ نَعَمْ مَاتُوا قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَيِّتٌ فِي إِثْرِهِمْ ثُمَّ جَذَبَ نَفْسَهُ فِي السِّلْسِلَةِ جَذْبَةً دُلِعَ مِنْهَا لِسَانُهُ وَنَدَرَتْ لَهَا عَيْنَاهُ وَانْبَعَثَتْ شَفَتَاهُ بِالدِّمَاءِ فَتَلَبَّطَ سَاعَةً ثُمَّ مَاتَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015