وذهبت الحنابلة إلى أن الجمعة تسقط عمن حضر العيد مع الإمام إلا الإمام، فلا تسقط عنه، لقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وإنا مجمّعون".

وللمالكية في هذا روايتان، فروى مطرّف، وابن وهب، وابن الماجشون عن مالك الاكتفاء بالعيد عن الجمعة، لما رواه الشافعيّ في "الأمّ" عن عثمان - رضي اللَّه عنه -، أنه قال: "اجتمع في يومكم عيدان، فمن أحبّ من أهل العالية أن ينتظر، فلينتظرها، ومن أحبّ أن يرجع، فقد أذنت له". ووجه الدلالة في هذا أن عثمان خطب بذلك في جمع من الصحابة، ولم ينكروا عليه، فهو إجماع منهم على جواز ذلك. وروى ابن القاسم، عن مالك أنه لابد من الجمعة، وهو مشهور المذهب، وقول الحنفية، والحديث حجة عليهم.

وذهبت الشافعية إلى أنه تجب الجمعة على أهل البلد، ولا يجزئهم العيد عنها، واختلفوا في أهل القرى الذين يسمعون نداء الجمعة، ومشهور المذهب أن الجمعة تسقط عنهم، ويصلّون الظهر، لرواية عثمان المتقدّمة (?).

وقال العلامة الشوكاني -رحمه اللَّه تعالى- عند شرح قوله "ثم رَخّص في الجمعة": ما نصّه: فيه أن صلاة الجمعة في يوم العيد يجوز تركها، وظاهر الحديث عدم الفرق بين من صلى العيد ومن لم يصل، وبين الإمام وغيره، لأن قوله: "لمن شاء" يدلّ على أن الرخصة تعمّ كلّ أحد. قال: ويدلّ على عدم الوجوب، وأن الترخيص عامّ لكلّ أحد ترك ابن الزبير للجمعة، وهو الإمام إذ ذاك، وقول ابن عباس: أصاب السنّة، وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة انتهى كلام الشوكاني بتصرف (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجّح عندي قول من قال: إن صلاة العيد تجزىء عن الجمعة، فيُرخّص لكل من حضر العيد أن يتخلف عن الجمعة، وأما القول بسقوط الظهر عمن سقطت عنه الجمعة، فمما لا دليل عليه، فالذين قالوا بسقوط الظهر ما أتوا بدليل صريح، بل كلها محتملات، كفعل ابن الزبير المتقدّم، فالحقّ أن لا يسقط وجوب أداء الظهر؛ لأن وجوبه بالنصوص القطعية، وهذا الذي ادّعوه من السقوط إنما هو بالنصوص المحتملة، فلا تبرأ الذمة بيقين إلا بالأداء، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحيّر بالاعتساف. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

1592 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015