الخلاف في أنها من فُروض الأعيان، أو من فُروض الكفايات، وقال: قال أكثر الفقهاء: هي من فروض الكفايات، وذكر ما يدلّ على أن ذلك قول للشافعيّ، وقد حكاه المرعشيّ عن قوله القديم، قال الدارمي: وغلّطوا حاكيه، وقال أبو إسحاق المروزيّ: لا يجوز حكاية هذا عن الشافعي، وكذلك حكاه الروياني عن حكاية بعضهم، وغلّطه. قال العراقي: نعم هو وجه لبعض الأصحاب، قال: وأما ما ادعاه الخطّابي من أن أكثر الفقهاء قالو: إن الجمعة فرض على الكفاية، ففيه نظر، فإن مذاهب الأئمة الأربعة متفقة على أنها فرض عين، لكن بشروط يشترطها أهل كلّ مذهب.
وقال ابن العربي: وحكى ابن وهب عن مالك أن شهودها سنة. ثم قال: قلنا: له تأويلان:
أحدهما: أن مالكاً يطلق السنة على الفرض.
الثاني: أنه أراد سنة على صفتها، لا يشاركها فيه سائر الصلوات، حسب ما شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفعله المسلمون، وقد روى ابن وهب عن مالك: عزيمةُ الجمعة على كلّ من سمع النداء انتهى.
ومن جملة الأدلّة على أن الجمعة من فرائض الأعيان قول الله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].
ومنها: حديث أبي هريرة المذكور في الباب.
وقد استنبط منه البخاري في "صحيحه" فرضية صلاة الجمعة، وبوّب عليه "باب فرض الجمعة"، وصرّح النووي، والحافظ بأنه يدلّ على الفرضية.
ومنها حديث طارق بن شهاب -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم في جماعة، إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبيّ، أو مريض". رواه أبو داود. وصححه غير واحد.
ومنها: حديث حفصة -رضي الله عنها- الآتي -2/ 1371 - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "رواح الجمعة واجب على كلّ محتلم". وهو حديث صحيح.
ومنها: حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لقد هَمَمت أن آمر رجلاً يُصلي بالناس، ثمّ أحرّق على رجال يتخلّفون عن الجمعة بيوتهم". رواه أحمد، ومسلم.
ومنها: حديث أبي هريرة، وابن عمر -رضي الله عنهم-، أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: "لينتهينّ أقوام عن وَدْعهم الجمعات، أو ليَختمنّ الله على قلوبهم، ثم ليكونُنّ من الغافلين". رواه أحمد، ويأتي للمصنف -2/ 1370 - من حديث ابن عمر،