وابن عباس -رضي الله عنهم-.
ومنها: حديث أبي الْجَعْد الضَّمْري -وله صحبة- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ترك ثلاثَ جُمع تهاونًا، طبع الله على قلبه". رواه الخمسة، ويأتي للمصنف -2/ 1369.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله: والحق أن الجمعة من فرائض الأعيان على سامع النداء، ولو لم يكن في الباب إلا حديث طارق، وحفصة الآتيين لكانا مما تقوم به الحجة على الخصم، والاعتذار عن حديث طارق بالإرسال قد ردّ بأنه إرسال صحابي، وبأنه يشهد له حديث حفصة المذكور.
وكذلك الاعتذار بأن مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان صغيرًا لا يتسع هو ورحبته لكل المسلمين، وما كانت تقام الجمعة في عهده -صلى الله عليه وسلم- بأمره إلا في مسجده، وقبائلُ العرب كانوا مقيمين في نواحي المدينة مسلمين، ولم يُؤمروا بالحضور. مدفوع بأن تخلّف المتخلفين عن الحضور بعد أمر الله تعالى به، وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- والتوعد الشديد لمن لم يحضر لا يكون حجة، إلا على فرض تقريره -صلى الله عليه وسلم- للمتخلفين على تخلفهم، واختصاص الأوامر بمن حضر جمعته -صلى الله عليه وسلم- من المسلمين، وكلاهما باطل.
أما الأول: فلا يصحّ نسبة التقرير إليه بعد همه بإحراق المتخلفين عن الجمعة، وإخباره بالطبع على قلوبهم، وجعلها كقلوب المنافقين.
وأما الثاني: فمع كونه قصرًا للخطابات العامّة بدون برهان، تردّه أيضًا تلك التوعّدات، للقطع بأنه لا معنى لتوعّد الحاضرين، ولتصريحه -صلى الله عليه وسلم- بأن ذلك الوعيد للمتخلفين.
وضيق مسجده -صلى الله عليه وسلم- لا يدل على عدم الفرضيّة، إلا على أن الطلب مقصور على مقدار ما يتسع له من الناس، أو عدم إمكان إقامتها في البقاع التي خارجه، وفي سائر البقاع، وكلاهما باطل.
أما الأول، فظاهر، وأما الثاني فكذلك أيضًا، لإمكان إقامتها في تلك البقاع عقلًا وشرعًا.
لا يقال: عدم أمره -صلى الله عليه وسلم- بإقامتها في غير مسجده يدلّ على عدم الوجوب؛ لأنا نقول: الطلب العامّ يقتضي وجوب صلاة الجمعة على كلّ فرد من أفراد المسلمين، ومن لا يمكنه إقامتها في مسجده -صلى الله عليه وسلم-، لا يمكنه الوفاء بما طلبه الشارع إلا بإقامتها في غيره، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب كوجوبه، كما تقرر في الأصول انتهى كلام الشوكاني رحمه الله تعالى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما حققه العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في هذه