عقب الصلاة، لأنه في معناها، ولأنها أوقات فاضلة، يُرتجى فيها إجابة الدعاء.

ومنها: أن العمل القاصر قد يُساوي المتعدّيَ، خلافًا لمن قال: إن المتعدي أفضل مطلقًا. نبّه على ذلك الشيخ عزّ الدين ابن عبد السلام (?). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: وقع في "صحيح مسلم" في روايته لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- من طريق ابن عجلان، عن سُميّ: قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: سمع إخواننا أهلُ الأموال بما فعلناه، ففعلوا مثله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".

قال ابن بطاّل، عن المهلّب رحمهما الله: في هذا الحديث فضل الغنى نصًا لا تأويلاً، إذا استوت أعمال الغني والفقير، فيما افترض الله عليهما، فللغنيّ حينئذ فضل عمل البرّ من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه. قال: ورأيت بعض المتكلّمين ذهب إلى أن هذا الفضل يخصّ الفقراء دون غيرهم، أي الفضل المرتّب على الذكر المذكور، وغفل عن قوله في نفس الحديث: "إلا من صنع مثل ما صنعتم"، فجعل الفضل لقائله كائنًا من كان.

وقال القرطبي رحمه الله: تأوْل بعضهم قوله: "ذلك فضل الله يؤتيه" بأن قال: الإشارة راجعة إلى الثواب المرتب على العمل الذي يحصل به التفضيل عند الله، فكأنه قال: ذاك الثواب الذي أخبرتكم به لا يستحقّه أحد بحسب الذكر، ولا بحسب الصدقة، وإنما هو بفضل الله.

قال: وهذا التأويل فيه بُعدٌ، ولكن اضطرّه! إليه ما يعارضه.

وتُعقب بأن الجمع بينه وبين ما يُعارضه ممكن من غير احتياج إلى التعسف.

وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: ظاهر الحديث القريبُ من النصّ أنه فَضَّلَ الأغنياء بزيادة القربات المالية، وبعض الناس تأول قولَه: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" بتأويل مُستكرَه، يخرجه عما ذكرناه. كأنه يشير إلى ما تقدّم.

قال: والذي يقتضيه الأصل أنهما إن تساويا، وفضّلت العبادات المالية أنه يكون الغنيّ أفضل، ولا شكّ في ذلك، وإنما النظر إذا تساويا في أداء الواجب فقط، وانفرد كلّ منهما بمصلحة ما هو فيه، وإذا كانت المصالح متقابلة، ففي ذلك نظر، يرجع إلى تفسير الأفضل، فإن فُسّر بزيادة الثواب، فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدّية أفضل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015