ونحوه، أو كما صلّيتَ على آدم، ونوح، وهود، ولوط، فإن التشبيه عند هؤلاء إنما هو واقع في أصل الصلاة، لا في قدرها ولا في صفتها.
ولا فرق في ذلك بين كلّ من صلى عليه, وأيّ ميزة وفضيلة في ذلك لإبراهيم وآله، وما الفائدة حينئذ في ذكره وذكر آله؟ وكان الكافي في ذلك أن نقول: اللَّهم صلّ على محمد وعلى آل محمد فقط.
الثاني: أن ما ذكروه من الأمثلة ليس بنظير الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن هذه الأمثلة نوعان: خبر، وطلب، فما كان منها خبراً فالمقصود بالتشبيه به الاستدلال والتقريب إلى الفهم، وتقرير ذلك الخبر، وأنه مما لا ينبغي لعاقل إنكاره، كنظيره المشبّه به.
وأما في قسم الطلب والأمر فالمقصود منه التنبيه على العلّة، وأن الجزاء من جنس العمل، فإذا قلت: علِّمْ كما علمك الله، ونحوه كان ذلك تنبيهاً للمأمور على شكر النعمة، ومقابلتها بمثلها، وتقييدها بالشكر.
الثالث: أن قوله: "كما صليتَ على آل إبراهيم" صفة لمصدر محذوف، تقديره: صلاةً مثلَ صلاتك على آل إبراهيم، وهذا الكلام حقيقته أن تكون الصلاة مماثلةً للصلاة المشبه بها، فلا يُعدل عن حقيقة الكلام ووجهه.
وقالت طائفة أخرى: إن هذا التشبيه حاصل بالنسبة إلى كلّ صلاة صلاة من صلوات المصلين، فكلّ مصلّ صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه الصلاة، فقد طلب من الله أن يصلي على رسوله -صلى الله عليه وسلم- صلاة مثل الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم، ولا ريب أنه إذا حصل له من كلّ مصلّ طلب من الله له صلاة مثل صلاته على آل إبراهيم حصل له من ذلك أضعاف مضاعفة من الصلاة، لا تُعدّ ولا تحصى، ولم يقاربه فيها أحد فضلاً عن أن يساويه، أو يفضله -صلى الله عليه وسلم-.
ونظير هذا أن يعطي ملك لرجل ألف درهم، فيسأله كلّ واحد من رعيته أن يعطي لرجل آخر أفضل منه نظيرَ تلك الألف، فكلّ واحد قد سأله أن يعطيه ألفاً، فيحصل له من الألوف بعدد كلّ سائل.
وأَوْرَدَ أصحابُ هذا القول على أنفسهم سؤالاً، وهو أن التشبيه حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة المطلوبة، وكل فرد من أفرادها، فالإشكال وارد كما هو.
وتقريره أن العطيّة التي يُعطاها الفاضل لابدّ أن تكون أفضل من العطيّة التي يعطاها المفضول، فإذا سئل له عطيّة دون ما يستحقّه لم يكن ذلك لائقاً بمنصبه.
وأجابو عنه بأن هذا الإشكال إنما يَرِدُ إذا لم يكن الأمر للتكرار، فأما إذا كان الأمر للتكرار، فالمطلوب من الأمّة أن يسألوا الله له صلاةً بعد صلاة كلّ منها نظير ما حصل