بانضمامها إلى صلاة لم تطلب، ولا ريب في فساد ذلك، فإن الصلاة التي تَطلُبُها الأمة له من ربّه هي أجلّ صلاة وأفضلها.

وقالت طائفة أخرى: التشبيه المذكور إنما هو في أصل الصلاة، لا في قدرها، ولا في كيفيّتها، فالمسؤول إنما هو راجع إلى الهيئة، لا إلى قدر الموهوب، وهذا كما تقول للرجل: أحسن إلى ابنك، كما أحسنت إلى فلان، وأنت لا تريد بذلك قدر الإحسان، وإنما تريد به أصل الإحسان، وقد يحتجّ لذلك بقوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] ولا ريب أنه لا يقدر أحد أن يحسن بقدر ما أحسن الله إليه، وإنما أريد به أصل الإحسان، لا قدره، ومنها قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]، وهذا التشبيه في أصل الوحي، لا في قدره، وفضل الموحى به، وقوله تعالى: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء: 5] إنما مرادهم جنس الآية، لا نظيرها، وقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النور: 55] ومعلوم أن كيفية الاستخلاف مختلفة، وأنّ ما لهذه الأمّة أكمل مما لغيرهم، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] والتشبيه إنما هو في أصل الصوم، لا في عينه وقدره وكيفيته، وقال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] ومعلوم تفاوت ما بين النشأة الأولى، وهي المبدأ، والثانية، وهي المعاد. وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} [المزمّل: 15] ومعلوم أن التشبيه في أصل الإرسال لا يقتضي تماثل الرسولين.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو أنكم تتوكلون على الله حقّ توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خِمَاصاً، وتَرُوح بِطَانًا" (?).

فالتشبيه هنا في أصل الرزق، لا في قدره، ولا في كيفيته، ونظائرِ ذلك.

وهذا الجواب أيضاً ضعيف لوجوه:

منها: أن ما ذكروه يجوز أن يستعمل في الأعلى والأدنى والمساوي، فلو قلت: أحسن إلى أبيك وأهلك كما أحسنت إلى مركوبك وخادمك ونحوه جاز ذلك، ومن المعلوم أنه لو كان التشبيه في أصل الصلاة لحسن أن نقول: اللَّهمّ صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صلّيت على آل أبي أوفى، أو كما صليت على آحاد المؤمنين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015