وملائكته، فلما تسبب معلمو الخير إلى صلاة الله وملائكته على من يتعلّم منهم، صلى الله عليهم وملائكتُه، ومن المعلوم أنه لا أحد من معلّمي الخير أفضل، ولا أكثر تعليماً من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا أنصح لأمته، ولا أصبر على تعليمه منه، ولهذا نالت أمته من تعليمه لهم ما لم تَنَلْه أمة من الأمم سواهم، وحصل للأمة من تعليمهم من العلوم النافعة والأعمال الصالحة ما صارت به خير أمة أُخرجت للعالمين، فكيف تكون الصلاة على هذا الرسول المعلّم للخير مساوية للصلاة على من لم يماثله في هذا التعليم؟.
وأما استشهادهم بقول الشاعر على جواز كون المشبّه به أفضل من المشبّه، فلا يدلّ على ذلك، لأن قوله: "بنونا بنو أبنائنا" إما أن يكون المبتدأ فيه مؤخراً، والخبر مقدّماً، ويكون قد شبّه بني أبنائه ببنيه، وجاز تقديم الخبر هنا لظهور المعنى، وعدم وقوع اللبس، وعلى هذا فهو جار على أصل التشبيه، وإمّا أن يكون من باب عكس التشبيه، كما يشبه القمر بالوجه الكامل مي حسنه، ويشبه الأسد بالرجل الكامل في شجاعته، والبحر بالكامل في وجوده، تنزيلاً لهذا الرجل منزلة الفرع المشبّه، وهذا يجوز إذا تضمّن عكس التشبيه، مثل هذا المعنى، وعلى هذا فيكون هذا الشاعر قد نزّل بني أبنائه منزلة بنيه، وأنهم فوقهم عنده، ثمّ شبّه بنيه بهم، وهذا قول طائفة من أهل المعاني.
قال ابن القيّم رحمه الله: والذي عندي فيه أن الشاعر لم يرد ذلك، وإنما أراد التفريق بين بني بنيه، وبني بناته، فأخبر أن بني بناته تبع لآبائهم، ليسوا بأبناء لنا، وإنما أبناؤنا بنو أبنائنا، لا بنو بناتنا، فلم يُرد تشبيه بني بنيه ببنيه، ولا عكسه، وإنما أراد ما ذكرنا من المعنى، وهذا ظاهر.
وقالت طائفة أخرى: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- له من الصلاة الخاصّة به التي لا يساويها صلاة ما لم يشاركه فيها أحد، والمسؤول له إنما هو صلاة زائدة على ما أعطيه مضافًا إليه، ويكون ذلك الزائد مشبهًا بالصلاة على إبراهيم، وليس بمستنكر أن يسأل للفاضل فضيلة أعطيها المفضول منضمّاً إلى ما اختصّ به هو من الفضل الذي لم يحصل لغيره.
قالوا: ومثال ذلك: أن يعطي السلطان رجلاً مالاً عظيمًا، ويعطي غيره دون ذلك المال، فيسأل السلطان أن يعطي صاحب المال الكثير مثل ما أعطي من هو دونه لينضمّ ذلك إلى ما أعطيه، فيحصل له من مجموع العطاءين أكثر مما يحصل من الكثير وحده.
وهذا أيضاً ضدِف، لأن الله تعالى أخبر أنه وملائكته يُصلّون عليه، ثمّ أمر بالصلاة عليه، ولا ريب أن المطلوب من الله هو نظير الصلاة المخبر بها، لا ما هو دونها، وهو أكمل الصلاة عليه، وأرجحها، لا الصلاة المرجوحة المفضولة.
وعلى قول هؤلاء إنما يكون الطلب لصلاة مرجوحة لا راجحة، وإنما تصير راجحة