وحاصل الخلاف: يرجع إلى أن ذلك، هل هو داخل تحت دلالة المعجزة على التصديق؟ فمن جعله غير داخل فيها جوّزه لعدم انتقاض الدلالة.

وفي كلام إمام الحرمين -رحمه الله- أن ذلك فيما يتعلق ببيان الشرائع، سواءٌ كان قولًا أو فعلًا نازلًا منزلة قول في اقتضاء البيان.

وميل كلامه إلى جواز السهو في ذلك، واحتجّ عليه بقصة ذي اليدين.

قال العلائي: وقال شيخنا إمام الأئمة أبو المعالي ابن الزملكاني -رحمه الله-: الذي يظهر أن ما طريقه التبليغ فيه ما يُقطع بدخوله تحت دلالة المعجزة على الصدق، فهذا لا نزاع في أنه لا يجوز فيه التحريف، ولا الخيانة، ولا الكذب، ولا السهو، وما لا يكون كذلك، وهو مما طريقه التبليغ والبيان للشرائع، فهل يجوز فيه النسيان؟ هذا محلّ الخلاف.

ويُحمل إطلاق فخر الديق الإجماع في بعض كتبه على القسم الأول، وذكره الخلاف في بعض كتبه على القسم الثاني، فإنه والآمديّ نَقَلا الخلاف مطلقًا، وهو محمول على التفصيل الذي أشار إليه إمام الحرمين.

وقد قال القاضي أبو بكر الباقلّاني في كتابه "الانتصار": المعجزة تدلّ على صدق النبي فيما هو متفكر فيه عامد له، وذهول النفس، وطريان النسيان، وبوادر اللسان لا تدخل تحت الصدق المقصود الذي هو مدلول المعجزة.

قال: وأما من زعم أن في تجويز ذلك القدحَ في الثقة بتبليغ الأنبياء، فهو قول عري عن التحصيل، وإنما يلزم هذا إذا جوّز تقريرهم عليه معنى، وذلك ممتنع.

ثم قال: وأما الحديث المشهور في تحللَّه عن اثنتين، فالنسيان فيه ظاهر، وهو حكمة من الله تعالى لظهور السنة فيه.

وأما القاضي عياض -رحمه الله-، فإنه نقل الإجماع على عدم جواز السهو والنسيان في الأقوال البلاغية، كما سيأتي ذكره، وخصّ الخلاف بالأفعال.

وحاصل الخلاف يرجع إلى اندراجها تحت دلالة المعجزة، كما ذكرناه.

قال القاضي عياض: ذهب الأكثرون من الفقهاء والمتكلمين إلى أن المخالفة في الأفعال البلاغية والأحكام الشرعية سهوًا، وعن غير قصد منه جائز عليه - صلى الله عليه وسلم - كما تقرر من أحاديث السهو في الصلاة، وفرقوا بين ذلك، وبين الأقوال البلاغية بقيام دلالة المعجزة على الصدق في القول، ومخالفةُ ذلك يُناقضها.

وأما السهو في الأفعال فغير مناقض لها، ولا قادح في النبوّة، بل غلطات الفعل، وغفلات القلب من سمات البشر، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015