مكلفين.
فثبت أن الأحكام المتعلقة بترك الفعل في حال العمدية مرفوعة حالة النسيان. والله سبحانه أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة عشرة:
في الكلام على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو يتضمن بحثين:
أحدهما: جواز السهو عليهم في الأفعال الدينية.
والثاني: ما يتعلق بالأقوال، والعصمة فيها.
والمذكور في هذه المسألة هو البحث الأول:
قال الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه "الفصل" جـ 4 ص 2 - 3: ذهب جميع أهل الإسلام من أهل السنة، والمعتزلة، والنجارية، والخوارج، والشيعة إلى أنه لا يجوز البتة أن يقع من نبي أصلًا معصيةٌ بعمد، لا صغيرة، ولا كبيرة، وهو قول ابن مجاهد الأشعري شيخ ابن فورك والباقلاّني.
وهذا القول الذي ندين الله تعالى به، ولا يحلّ لأحد أن يدين الله بسواه، ونقول: إنه يقع من الأنبياء السهو عن غير قصد، ويقع منهم أيضًا قصد الشيء يريدون وجه الله تعالى، والتقرّب منه، فيوافق خلاف مراد الله تعالى، إلا أنه تعالى لا يُقرّهم على شيء من هذين الوجهين أصلًا، بل ينبههم على ذلك، ولا يكثر وقوعه منهم، وُيظهر عز وجلّ ذلك لعباده، ويبين لهم، كما فعل نبيه - صلى الله عليه وسلم - في سلامه من اثنتين، وقيامه من اثنتين، وربما عاتبهم على ذلك بالكلام، كما فعل بنبيه - عليه السلام - في أمر زينب أم المؤمنين، وطلاق زيد لها - رضي الله عنهما -، وفي قصة ابن أم مكتوم - رضي الله عنه -. انتهى كلام أبي محمد رحمه الله تعالى.
وقال الحافظ العلائي رحمه الله تعالى:
اتفق جميع أهل الملل والشرائع على وجوب عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن تعمد الكذب فيما دلت المعجزة القاطعة على صدقهم فيه، وذلك مما طريقه التبليغ عن الله سبحانه وتعالى من دعوى الرسالة، وما يُنَزَّل عليهم من الكتب الإلهية، إذ لو جاز خلاف ذلك لأدَّى إلى إبطال دلالة المعجزة، وهو محال.
وأما السهو والنسيان، فقال سيف الدين الآمديّ: اختلف الناس فيه، فذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني وكثير من الأئمة إلى امتناعه.
وذهب القاضي أبو بكر الباقلّاني إلى جوازه، وادعى الإمام فخر الدين الرازي في بعض كتبه الإجماع على امتناعه، ونقل الخلاف فيه في بعضها.