فالذي يُسقطه النسيان هنا الإثم، والعقوبة في الإقدام على العبادة من غير شرطها، ويجب عليه إعادة الصلاة تداركًا للمأمور، لأن الغرض من تحصيل مصلحته لم يوجد.
وثانيهما: نسيان المنهيات المنافية، كالكلام في الصلاة، والأكل والأفعال فيها، والأكل في الصوم، وغير ذلك من منافيات العبادات، فلا يبطلها الإتيان بهذه الأشياء على وجه النسيان، لأنه لم يقصد إفسادها، وبالأدلة الدّالّة على مفردات ذلك، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي، وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتمّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"، على ما تقدّم من تعميم الإضمار المقدّر، وبنائه - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث ذي اليدين هذه على صلاته، مع كلامه وأفعاله المنافية على وجه النسيان، هذا إذا لم يكثر ذلك، فإن كثر ففيه خلاف يأتي ذكره فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
أما إذا كان ذلك من قببل الإتلاف، كقتل الصيد في الإحرام، وحلق الشعر، وتقليم الأظفار، فلا تسقط كفّارته، لما تقدمت الإشارة إليه أنها جابرة، والجوابر لا تسقط مع النسيان. ولو صلّى ناسيا لنجاسة لا يعفى عن مثلها في حال الاختيار، ففي بطلان صلاته قولان للعلماء، مأخذهما أن الطهارة عن النجس، هل هي من قبيل المأمورات كالطهارة عن الحدث، أو أن استصحاب النجاسة في الصلاة من قبيل المنهيات؟
والجديد من قولي الشافعي هو القول الأول، والقديم هو الثاني، وهو مذهب مالك -رحمه الله-.
فإن قيل: هذا التفصيل يُنافي القول المتقدّم في تعميم الإضمارات المقدّرة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان" لإيجاب التدارك في صور كثيرة من نسيان المأمورات، وكذلك إيجاب ضمان المتلفات من الأبضاع والأموال، وكذلك إيجاب الكفّارات، فكلّ هذا ينافي القول بإضمار حكم الخطأ والنسيان، فيتعين إضمار الإثم في الحديث ليعمّ جميع الصور، ولا تختلف.
قلنا: ليس كذلك، فإن الحكم المتعلق بالمأمورات إذا تركت عمدًا هو المؤخذة والعقاب المترتّب عليها، إما حدًا، كقتل تارك الصلاة، أو تعزيرًا كتأديب تارك الصوم ونحوه، وكلّ ذلك ساقط مع النسيان، ولا يترتّب إلا في حال تعمّد الترك، وأما التدارك وإيجاب القضاء، فغير مأخوذ من النسيان، بل من أمر آخر، وهو تدارك المصلحة التي شُرع لها ذلك الفعل، وكذلك ضمان الإتلافات، إما بالغرامات، أو بالمهر، أو بالدية، ونحو ذلك لأمر خارجيّ، لا تعلق له بالنسيان، بل هو من خطاب الوضع، وربط الحكم بالأسباب، بدليل وجوب ذلك في مال الصبي والمجنون الذين هما غير