الأول: نسيان العبادات المأمور بها رأسًا، وذلك على ضربين:
أحدهما: أن تفوت المصلحة التي شُرعت لها العبادةُ، ولا تَقبَلُ التدارك، كالجهاد، والجمعات، وصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة في بعض الصور، فهذه وأمثالها تسقط بالفوات، ولا يشرع تداركها.
وثانيهما: ما يَقبل التدارك لأن غرض الشرع تحصيل مصلحته، كمن نسي صلاة أو صومًا أو حجًا أو عمرة أو نذرًا أو كفارة، فيجب عليه تداركها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن صلاة، أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها". وهذا لا خلاف فيه بين الأمة.
القسم الثاني: نسيان المنهيات عنها لذواتها إذا فعلت على وجه النسيان، وهو على ضربين أيضًا:
أحدها: ما لا يتضمن إتلاف حقّ للغير، كمن نسي نجاسة الطعام فأكله، أو كون هذا الشراب خمرًا فشربه، ونحو ذلك، فلا شكّ أنه لا يتعلق هنا إثم ولا حدّ، ولا تعزير لنسيانه، ولا تدارك هنا، لأن المنهي إذا وقع، وتحققت مفسدته لم يمكن رفعها، وما شرع في معاملته من الحدّ أو التعزير إنما شُرع زاجرًا عن المعاودة، وذلك إنما يكون في حالة الذكر دون النسيان.
والضرب الثاني: ما يتضمن إتلافًا لملك الغير، كمن باع طعامًا، ثم نسي أنه باعه، فأكله، فلا إثم عليه في ذلك، ولكنه يلزمه ضمانه، إما بالمثل، أو بالقيمة لمالكه، لأن الضمان من الجوابر، والجوابر لا تسقط بالنسيان.
وينشأ من هذين الضربين ما كان من المنهيات له جهتان، ويتعلق به حقٌّ لله، وحقٌّ للعباد، كالقتل والزنا، فإذا قتل خطأ فهو كالنسيان، فلا إثم، والقصاص الذي هو زاجر سقط لنسيانه، والضمان بالدية لا يسقط، فإنها كبدل المتلف الذي فوّته، وهو حقّ للآدمي، وكذلك الكفّارة لا تسقط لأنها شرعت جابرة لعدم التحفظ، لا مكفّرة للإثم، إذ لا إثم هنا.
ومثل هذا الزنا، فإذا أبان زوجته، ثم نسي طلاقها، فوطئها، أو باع جاريته، أو أعتقها، ثم نسي ذلك فوطئها، فلا إثم لنسيانه، ولا حدّ أيضًا لما تقدّم أن الزجر إنما يصلح للذكر، ولكن يلزمه ضمان ما أتلف من البضع بمهر المثل، لأنه حق للآدمي جابر لما أتلفه، ولا يسقط بالنسيان.
القسم الثالث: نسيان الشروط المصححة للعبادة بالترك، أو المفسدة لها بالفعل، وهذا أيضًا على ضربين:
أحدهما: نسيان المأمورات التي وجودها شرط في صحة العبادة، كالوضوء مثلًا،