وقال في "الإملاء": ليس هذا كله مضمرًا في الآية، وإنما الذي تضمنته حلق الرأس، والبقية مقيس عليه.
والذي يتعلق بهذه المسألة في هذا الحديث الكلامُ في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه". أخرجه ابن ماجه، والبيهقي في "سننهما" من حديث بشر بن بكر التنيسي، عن الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رَباح، عن عبيد بن عُمير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، عنه - صلى الله عليه وسلم -. وقال فيه البيهقي: إسناده مستقيم، ورواته ثقات.
قال العلائي رحمه الله تعالى: وهذا الإسناد على شرط "الصحيحين" سوى بشر بن بكر، فإنه من أفراد البخاري، والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" مصححًا له.
وذكر ابن أبي حاتم في "كتاب العلل" عن أبيه أن محمد بن المصفّى رواه عن الوليد ابن مسلم، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس من غير ذكر عُبيد بن عُمير، ثم ذكر له طرقًا أُخَرَ وضعفها.
ولفظه عند ابن أبي حاتم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان".
فاختلف العلماء في هذا الحديث، هل المقدر فيه حكم الخطإ، أو إثمه، أو كلّ منهما جميعًا.
فأبو حنيفة -رحمه الله- قدّر المضمر الإثم فقط لمّا ذهب إلى أن الكلام ناسيًا في الصلاة يُبطلها.
والشافعي -رحمه الله- قدر المجموع من الإثم والحكم، ورأى أن الكلام ناسيًا لا يبطل الصلاة، وكذلك سلام التحلّل، ونية الخروج منها، وكذلك الأكل في الصوم ناسيًا.
فيؤخذ من أحاديث ذي اليدين هذه صحة ما ذهب إليه الشافعي -رحمه الله- من تقدير الجميع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بني على صلاته غير مرّة بعد ما. سلّم منها، وتكلم، وفعل أفعالًا ناسيًا في ذلك كله، فدلّ على أن المقدّر حكم الخطإ والنسيان وإثمهما أيضًا، إذ لا خلاف في رفع الإثم، لأن فائدة التكليف، وغايته تَمَيُّزُ المطيع عن العاصي ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيّ عن بينة.
والطاعة والمعصية تستدعيان قصدًا وإرادةً لإيقاعهما، وعليه يترتب الثواب والعقاب، والمخطىء والناسي لا قصدَ لهما، وكذلك المكره أيضًا، لأنه كالآلة لمن أكرهه.
ثم هنا تفصيل حسن لأقسام المنسي ينبغي ذكره لما فيه من الفائدة، وهو أن الشيء المنسي على أقسام: