وأما على طريق الجمع بأن يُضمّ إلى سجوده - صلى الله عليه وسلم - قوله: "صلّوا كما رأيتموني أصلي"، وهو كالذي قبله فيما كان منه قبل السلام أو بعده.
والمسلك الثالث: اعتبار سجود السهو بالمقتضي له الذي يُجبر به.
وقد ناقش هذه المسالك الحافظ العلائي، فانظر كلامه في "نظم الفرائد" ص 364 - 365.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن قول من قال بالوجوب هو الراجح؛ لوروده بصيغة الأمر، كما مر بيانه والأمر للوجوب إلا إذا وُجد ما يصرفه، ولم يذكروا هنا ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الثانية عشرة: في اختلاف أهل العلم في تدارك سجود السهو:
روى ابن أبي شيبة عن سلمة بن نُبيط، قال: قلت للضحّاك بن مُزاحم: إني سهوت، ولم أسجد، قال: ها هنا فاسجد، وعن وضّاح، قال: سألت قتادة؟ فقال: يُعيد سجدتي السهو. وعن الحسن، وابن سيرين قالا: إذا صرف وجهه عن القبلة لم يسجد سجدتي السهو. وعن إبراهيم النخعي، قال: هما عليه حتى يخرج، أو يتكلّم. وعن حماد بن أبي سليمان في رجل نسي سجدتي السهو حتى يخرج من المسجد قال: لا يعيد. وقال ابن شُبرُمة: يعيد الصلاة. وعن الحكم أنه لقي ذلك، فأعاد الصلاة.
وروى عبد الرزاق عن الحسن في رجل نسي سجدتي السهو، قال: إذا لم يذكرهما حتى ينصرف لم يسجدهما، وقد مضت صلاته على الصحّة، وإن ذكرهما وهو قاعد لم يقم سَجَدَهما.
وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: نسيت سجدتي السهو، فتحدثتُ أو تكلمت، ولم أقم؟ قال: فاسجدهما، قلت: فإن قمتُ حين فرغت، ولم أتكلم، ثم ذكرت؟ قال: فاجلس فاسجدهما.
وعن علقمة أنه صلى، فسها، ثم انفتل عن القبلة، فقال له رجل: إنك لم تسجد سجدتي السهو، فقال: كذلك؟ قال: نعم، فانحرف إلى القبلة، فسجدهما.
وأما الأئمة الأربعة ففي مذاهبهم تفاصيل قد استوعبها العلائي -رحمه الله- في كتابه المذكور ص 367 - 370.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يترجح عندي أن المصلي يَتدارَك سجود السهو، وإن انحرف عن القبلة، أو تكلم، أو خرج من المسجد، ناسيًا؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجد للسهو بعد ما انحرف عن القبلة، وتكلم، ودخل حجرته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.