السهو واجبًا في هذا القسم الأخير قطعًا.
وأما في الثاني: فسجود السهو له واجب قطعًا، وكذلك هو أيضًا واجب إذا سها بزيادة فعل في الصلاة، يُبطلها عمدُهُ، كالكلام والسلام، ونحو ذلك، فإن تعمّد ترك سجود عن واجب محله قبل السلام بطلت صلاته عندهم، وإن ترك المشروع بعد السلام لم تبطل، وإذا شكّ في ترك واجب، فهل يلزمه السجود؟ فعلى وجهين، وإن شكّ في زيادة لم يسجد.
واحتجّ أصحاب الشافعي -رحمه الله- على أن سجود السهو سنة، وليس بواجب بما روى أبو داود في "سننه" من حديث ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شكّ أحدكم في صلاته فليُلق الشكّ، وليبن على اليقين، فإن استيقن التمام سجد سجدتين, فإن كانت صلاته تامّةً كانت الركعة نافلة، والسجدتان، وإن كانت ناقصة كانت الركعة تمامًا لصلاته، وكانت السجدتان مُرغمتي الشيطان".
قالوا: فهذا الحديث يدلّ على أن السجدتين نافلة، والحديث حسن، لأن ابن عجلان روى عنه مالك، وشعبة، ووثقه الجمهور، وأخرج له مسلم في مواضع من كتابه، لكن يَردُ على هذا أن الحديث رواه جماعة عن زيد بن أسلم، لم يذكروا هذه الزيادة، وقد تقدم ذلك، وابن عجلان متكلّم في حفظه، وقد أدخله البخاريّ في "كتاب الضعفاء"، فعلى تقدير قبوله إذا خالف من هو أوثق منه، وأحفظ، وأكثر عددًا في قبوله نظر.
وأما القائلون بوجوب سجود السهو، فلهم ثلاث مسالك:
الأول: الأمر بذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثم ليسجد سجدتين"، وهو صحيح ثابت في حديث ابن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وغيرهما - رضي الله عنهم -.
والثاني: التمسك بفعله - صلى الله عليه وسلم -، وسجوده له كما ثبت في أحاديث ذي اليدين، وحديث ابن بُحينة.
قال العلائي -رحمه الله-: وهذا إما على القول بأن فعله - صلى الله عليه وسلم - يدلّ على الوجوب فيما ظهر فيه قصد القربة، وإما على القول بأن فعله - صلى الله عليه وسلم - وقع هنا بيانًا لأفعال الصلاة الواجبة، لأنها مُجملة فيما يتعلق بالسهو فيها أيضًا، لم يتبين ذلك إلا بفعله - صلى الله عليه وسلم -، وبيان الواجب واجب، وهذا فيما إذا كان قبل السلام واضح.
وأما فيما إذا كان بعد السلام فهو على قول من يقول: إن هذا السلام يحصل به التحلل من الصلاة، كالحنفية، وبعض المالكية.