من الصلاة، فلم يجز ربط القدوة به. ويظهر فائدة الخلاف بينهم في انتقاض الطهارة بالقهقهة على أصلهم، واتفقوا على أنه لو سلّم يريد به قطع الصلاة لَغَت هذه الإرادة، وأتى بسجود السهو الذي عليه، لأن نيته تغيير للمشروع.
وقال أحمد -رحمه الله-: متى سجد قبل السلام لم يَحتج إلى تشهد، وكان سلامه بعد السجود هو الذي يتحلل به من الصلاة، ليس معلقًا بسجود السهو، وأما إذا سجد بعد السلام، فإنه يتشهد بعده، ثم يسلّم، ولم يذكر تكبيرة إحرام.
وأما مذهب الشافعي، -رحمه الله-، فإن سجد قبل السلام، فلا تشهد، ولا تسليم قطعًا، وإن سجد بعده ففيه تفاصيل لأصحابه قد ذكرها العلائي -رحمه الله-، وتركتها اختصارًا، فراجعه ص 347 - 350.
وقد ذكر العلائي -رحمه الله- أدلتهم بعد ذكر أقوالهم، فقال:
أما تكبيرة التحريم فلم يأت ذكرها في حديث صريحًا، إلا ما تقدم أن حمّاد بن زيد روى عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديث ذي اليدين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمّا أتم الصلاة، وسلم منها كبّر، ثم كبّر، وسجد للسهو. أخرجه أبو داود، وقال: إنها تفرّد بها هشام بن حسان من رواية حماد بن زيد عنه، وقد رواه حماد ابن سلمة، وأبو بكر بن عياش، عن هشام بن حسان لم يذكروا هذه اللفظة- أعني قوله: "كبّر، ثم كبّر".
وكذلك رواه عن ابن سيرين جماعة كثيرون فوق العشرة بدونها.
فالحاصل: أن هذه الزيادة شاذّة، وإن كان راويها ثقةً، ولكنه خالف فيها جماعة حُفّاظًا أكثر عددا منه، فكانت مردودة.
والذي اعتمده القرطبي في اشتراط تكبيرة التحريم ما تكرر في روايات حديث ذي اليدين في "الصحيح" من قول أبي هريرة - رضي الله عنه -: فصلى ركعتين، ثم كبر، ثم سجد، ثم كبر ورفع، ثم كبّر وسجد، ثم كبر فرفع.
قال: فعَطَفَ السجود على التكبير الأول بـ "ثم" التي تقتضي التراخي، ولو كان التكبير للسجود لكان معه مصاحبًا له، ولأتى الراوي به بالواو المتقتضية للجمع، كما فعل في بقية انتقالات السجود.
قال العلائي: وهذا الاستدلال ليس بالظاهري القويّ، بل هو مُحتمل، أو قريب من الظهور.
وأقوى ما يُستدَلُّ به لذلك ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من التسليم بعد سجود السهو الذي فعله بعد السلام، كما ثبت هذا من حديث عمران بن حُصين - رضي الله عنهما - عند مسلم.