والقاعدة تقتضي أن السلام لا يُتحلّل به إلا من عَقْد انعقد قبله بتحرّم، فهذا إذا انضمّ إلى ما قاله القرطبي أفاد قوّةً في تكبيرة الإحرام.
ولكن هذا إذا قلنا بأنه ليس في الصلاة الأولى، أما إذا جعلناه عائدًا إليها كأحد الوجهين لأصحاب الشافعي فيما إذا سلم ناسيًا سجود السهو، وكمذهب أبي حنيفة في أن السلام الأول لم يُخرج به من الصلاة، إذ كان عليه سجودُ سهو، فلا معنى هنا لتكببرة الإحرام، لكن القول بأنه لم يخرج من الصلاة بالتسليم الذي أَتَى به قصدًا بعيدٌ لا وجه له، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وتحليلها بالتسليم"، فيحتاج من يقول بأنه لا يخرج من الصلاة إذا تعمد التسليم إلى دليل.
وأما التشهد، فقد روى أبو داود، والترمذي، وابن ماجه جميعًا عن محمد بن يحيى الذهلي: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، أخبرني أشعث، عن ابن سيرين، عن خالد الحذّاء، عن أبى قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم، فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلّم. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
قال العلائي: أشعث هذا هو ابن عبد الملك الحُمراني، وثقه يحيى بن سعيد القطان، والنسائي وغيرهما. وقال أبو حاتم الرازي: لا بأس به، وقال يحيى بن معين: خرج حفص بن غياث إلى عَبّادان، فاجتمع إليه البصريون، فقالوا: لا تحدّثنا عن أشعث بن عبد الملك.
ولم يخرّج الشيخان له شيئا في كتابيهما، لكن البخاري ذكره تعليقًا، وقد ذكره ابن عديّ في كتابه "الكامل في الضعفاء"، لكنه لم يذكر شيئًا يدلّ على تليينه أكثر من قول أهل البصرة هذا، وفي كونه تضعيفًا نظر، لو انفرد، فكيف به مع توثيق يحيى بن سعيد القطان وغيره؟.
والذي اعتمده البيهقي في ردّ هذا الحديث أنه تفرّد به أشعث هذا، وقد رواه شعبة بن الحجاج، ووهيب بن خالد، وإسماعيل ابن عُلية، وحماد بن زيد، وهُشيم بن بَشير، ويزيد بن زريع، وعبد الوهاب الثقفي، كلهم عن خالد الحذّاء، من حديث عمران بن حُصين مطوّلًا ومختصرًا، ولم يذكر أحد منهم التشهّد بعد سجدتي السهو، فهذه الزيادة شاذّة مخالفة للثقات الحُفّاظ المتقنين، فكانت مردودة، هذا لو كان أشعث مقاومًا لمن ذكر، فكيف، وهو دونهم في الإتقان والحفظ بكثير؟، وقد مُسّ أيضًا، وهذا وحده كاف في ردّ زيادة التشهد.
ويدلّ عليه أيضًا ما ثبت من طُرُق عديدة عن ابن سيرين في حديث ذي اليدين بعد