ذلك، ثم إن المشهور من قول مالك -رحمه الله- في صورة الشك أنه يسجد بعد السلام سواءٌ توهم الزيادة أو النقص كذلك قال القرطبي وغيره: إنه الصحيح من مذهبه.
فعلى هذا لم يحصل الجمع بين الأحاديث، لأنه ألغى حديث أبي سعيد بالكلية الذي صرّح فيه بالسجود قبل السلام، وهو ثابت مجمع على صحته كما تقدم، فلم يجمع مالك -رحمه الله- إلا بين أحاديث ذي اليدين، وحديث ابن بُحينة فقط.
وطريق أحمد بن حنبل -رحمه الله- في الجمع بين الأحاديث أقوى من جهة أنه جمع حديثي ابن مسعود وأبي سعيد الخدري، فقال: إذا شك في عدد الركعات فله حالتان:
إحداهما: أن يبني على اليقين, وهو الأقلّ، ويأتي بما بقي, فحينئذ يسجد قبل السلام، عملًا بحديث أبي سعيد الخدري.
والثانية: أن يتحرى، ويعمل بما غلب على ظنه أنه أقرب إلى الصواب، فحينئذ يسجد بعد السلام، عملًا بحديث ابن مسعود، وظاهر مذهبه أن المنفرد يبني على اليقين، والإمام يبني على غالب ظنه، كذلك قاله في "المقنع"، فكأنه حمل حديث أبي سعيد على المنفرد، وحديث ابن مسعود على الإمام، ورأى أن ذلك أولى من تعطيل أحدهما، وتقديم الآخر عليه.
وقال فيمن نسي التشهد الأول، ونهض من الركعتين: إنه يسجد قبل السلام، عملًا بحديث ابن بحينة، وتقديمًا له على غيره كما تقدم لصحته. وفيين سلّم من ركعتين، أو من ثلاث، وتكلم، أو مشى: يسجد بعد السلام، عملًا بأحاديث ذي اليدين، ثم قال فيما سوى ذلك من أنواع السهو: إنه يسجد له قبل السلام، لأن جبر الخلل الواقع في الصلاة إنما يكون في صلبها، لا خارجًا عنها، وقد تقدّم قوله: لولا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لرأيت السجود كله قبل السلام.
وقد اعترض بعض الأئمة على هذا القول، وجعل اختصاص السجود بما بعد السلام بالمواضع التي وردت في حديث ذي اليدين، وما تابعه نوعَ ظاهرية.
وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد -رحمه الله-: يترجح قول مالك بأن تُذكر المناسبة في كون سجود السهو قبل السلام عند النقص، وبعده عند الزيادة، وإذا ظهرت المناسبة، وكان الحكم على وفقها كانت علة، وإذا كانت علةً عم الحكم جميع محالها، فلا يتخصص ذلك بمورد النصّ.
قال العلائي: ولقائل أن يقول: إن كانت المناسبة المشار إليها هي ما تقدم عن ابن عبد البرّ، ففي كونها مناسبة نظر، وقد مضى الكلام عليها، وإن كانت غيرَها فلتُبَيَّن، بل الذي تقتضيه المناسبة أن يكون سجود السهو قبل السلام مطلقًا كما تقدم.