أحدهما: منع كثرة الرواة من هذا الجانب، بل الظاهر أن الأكثر رواةً هو ما يدلّ عن تأخره بعد السلام، بدليل أحاديث ذي اليدين المتقدمة، وتعدد طرقها وصحتها.

الثاني: أن الترجيح إنما يُصار إليه عند تعذر إمكان الجمع والتعارض في محلّ واحد، وذلك كله ممنوع هنا. فهذا ما يتعلق بهذه الطريق. والعلم عند الله سبحانه وتعالى.

وقد روى عبد الرزاق في "مصنفه": أخبرنا معمر وابن عيينة، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التسليم بعد سجدتي السهو".

وهذا حديث غريب بهذا اللفظ، ويمكن حمله على السلام الذي بعد سجود السهو، لا على سلام التحلل من الصلاة. والله أعلم.

وأما الطريق الثاني: وهو الجمع بين الروايات، والعمل بها فقد تقدم أنها تشتمل على ثلاث مذاهب:

أحدها: قول مالك -رحمه الله- المشهور عند أصحابه أن ما كان السهو فيه بزيادة، فمحلّ السجود له بعد السلام، وما كان بنقص، فمحله قبل السلام، وهو القول القديم للشافعي، واختيار المزني كما تقدم.

قال المالكية: وبهذا يحصل الجمع بين حديث ذي اليدين، وحديث ابن بُحينة، وأيدوا ذلك من حيث المعنى بأن السجود في النقصان لصلاح الصلاة وجبرها، والإصلاح والجر لا يكونان بعد الخروج من الصلاة، وأما السجود في الزيادة، فإنما هو ترغيم للشيطان، وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ، هكذا قاله ابن عبد البرّ.

ولقائل أن يمنع أن السجود في سهو الزيادة ترغيم للشيطان، بل هو أيضًا جبر لما حصل في الصلاة من النقص والخلل بالزيادة فيها، فإنه نقص في المعنى، وخلل يحتاج إلى جبر، وإنما السجود الذي سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - ترغيمًا للشيطان هو السجود للشكّ إذا أخذ المصلي بالاحتياط، وبنى الأمر على اليقين، وهو الأقلّ، ثم كان الأمر كذلك في نفس الأمر، فإن صلاته، والحالة هذه تامّة، لا نقص فيها ولا زيادة، فأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن السجود في هذه الصورة ترغيم للشيطان، لئلا يوسوس له أن في صلاته خللًا، فإنه حينئذ يخيّبه بأن الخلل قد انجبر بسجود السهو، وهذا ظاهر من لفظ الحديث في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تمامًا لأربع كانت السجدتان ترغيمًا للشيطان.

فيحتاج من يقول: إن سجود السهو في حال الزيادة ترغيم للشيطان إلى دليل على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015