أن السجود في صورة الشك يكون قبل السلام كما دل عليه حديث أبي سعيد، وليس هذا الراجح عند المالكية، بل الصحيح عندهم أن توهم الزيادة كتحققها في كونها تقتضي السجود بعد السلام.

ثم قال أصحاب الشافعي: أحاديث ذي اليدين على أن المراد بالسلام الذي وقع السجود بعده هو السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي في التشهد، وهذا تأويل بعيد، لأن السابق إلى الفهم عند إطلاق السلام في سياق ذكر الصلاة هو الذي به التحلل.

وأشار الشافعي في القديم إلى شيء آخر، فقال: أخبرنا مطرّف بن مازن، عن معمر، عن الزهري، قال: سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدتي السهو قبل السلام وبعده، وآخر الأمرين قبل السلام.

فاعتمد كثير من الشافعية هذا، وقالوا: السجود بعد السلام منسوخ، وهذا فيه نظر من وجوه:

أحدها: من جهة مطرّف بن مازن، فقد ضعفه الجماعة كلهم، وقال فيه ابن معين: كذاب.

الثاني: أن هذا قول من الزهري غير مسند، بل مرسل، أو منقطع، فكيف يثبت بمثله النسخ؟!!

الثالث: أنه لو كان مسندًا صحيحًا لم يلزم منه النسخ لو جهين:

أحدهما: ما ذكره إمام الحرمين: أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتضمّن الإيجاب عند المحققين، ولكنه يتضمن الجواز والإجزاء، فلئن صحّ ما ذكره الزهري أنه سجد آخرًا فهذا لا يعين ذلك، ولا ينفي جواز ما تقدم.

الثاني: ما ذكره تقي الدين ابن دقيق العيد: أن شرط النسخ التعارض باتحاد المحلّ، ولم يقع ذلك مصرحًا به في رواية الزهريّ، فيحتمل أن يكون الأخير هو السجود قبل السلام، لكن في محلّ النقص، وإنما يقع التعارض المحوج إلى النسخ لو تبين أن المحلّ واحد، ولم يتبّين ذلك.

قال الحافظ العلائي: وهذا بخلاف قول جابر - رضي الله عنه -: كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار، إذ هما متعارضان من كلّ وجه، لتحريم الصلاة بدون الوضوء إذا كان أكله ناقضًا للوضوء، فدلّ تركه، والصلاة بدونه على النسخ.

وسلك بعض أصحاب الشافعي في هذه الأحاديث مسلكًا آخر، وهو الترجيح، فجعله من جانب مَنْ قال بأنه على الإطلاق قبل السلام لكثرة الرواة، وهذا أيضًا فيه نظر من وجهين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015