وجواب هذا أنه ليس بقياس صحيح، ولو كان قياسًا معتبرًا فهو في مقابلة النصوص الصحيحة، فلا يُقبل.

ثم هو معارض بقياس أقوى منه، وهو أن سجود السهو شُرع جبرًا لما وقع في الصلاة من الخلل، إما بزيادة، أو نقص، والأصل أن الجابر يقع في المجبور لينجبر باتصاله به، لأن الإصلاح والجبر بعد الانفصال عن الصلاة بعيد، فالقياس يقتضي أن يكون قبل السلام مطلقًا، وإذا كان لا بدّ من اعتبار القياس، فهذا أولى، والله أعلم.

وأما الشافعية على المشهور عندهم من أقوال الشافعي -رحمه الله-، فإنهم رأوا أن تقديم حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أولى من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - من جهة اتفاق الرواة في الأول على التصريح بكون السجود قبل السلام، واختلافهم في ذلك في حديث ابن مسعود، كما تقدم، ومن جهة أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - من أحداث الصحابة، فتشعر روايته بالتأخر بخلاف ابن مسعود، ومن جهة اعتضاد حديث أبي سعيد بما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - من التصريح بكونه قبل السلام، وهو متأخر الإسلام كما تقدّم.

قالوا: وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - شمل القسمين الزيادة والنقص على كلا التقديرين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تمامًا لأربع كانت السجدتان ترغيمًا للشيطان"، وقال في كلّ منهما: "ثم يسجد قبل أن يسلم"، والزيادة المقدّرة كالمحققة، فكانت دلالة الحديث تقتضي أن السجود قبل السلام مطلقًا في حالتي السهو بالزيادة والنقص.

قالوا: وهذا أولى بالأخذ من أحاديث ذي اليدين، لأن دلالة حديث أبي سعيد قولية لا تحتمل تأويلًا، ودلالة حديث ذي اليدين فعلية تحتمل أنه كان عن سهو منه - صلى الله عليه وسلم -أعني تأخير السجود إلى بعد السلام- وقد تقدم الاعتراض على تقدير السهو في تأخير السجود إلى بعد السلام في حديث ذي اليدين، إذ لا دليل عليه، بل كيف يقال ذلك، وقد تكرر هذا منه - صلى الله عليه وسلم - غير مرة كما تقدم في أحاديث أبي هريرة، وعمران بن حصين، ومعاوية بن حُديج - رضي الله عنهم -، وأنها وقائع متعددة، فاحتمال السهو فيها بعيد، أو باطل لا وجه له.

وقد اعترض بعض المالكية على حديث أبي سعيد بالإرسال فيه، وتقدّم أن هذا اعتراض ضعيف، فالحديث صحيح لا ريب فيه.

ومنع بعضهم إلحاق الزيادة المتوَهَّمَة بالمتحققة، فقال: إنما نقول بسجود السهو بعد السلام حيث تتحقق الزيادة، كما في قصة ذي اليدين، وإذا كانت الزيادة متوهمة، فالسجود لها قبل السلام، وهذا إنما يتمشّى على القول الذي حكاه الداودي عن مالك:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015