فالترجيح ظاهر لحديث ابن بحينة، ومن تابعه هذا فلا ريب فيه (?).
وحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يُمكن ردّه إلى حديث ابن بحينة كما تقدم.
قال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: ويكفي حجةً في ذلك أن الإمام أحمد من أكبر أئمة الحديث المعتبر قولهم المطلعين على جميع طرقه، قد قال بأنه في النهوض من الركعتين، والسهو عن التشهد الأول يسجد قبل السلام لا غير، فدلّ ذلك على ترجيحه حديث ابن بُحينة، وأنه لم يَعتبر حديث المغيرة بن شعبة.
واحتج الطحاوي بما رُوي عن عمر - رضي الله عنه - أنه صلى صلاة المغرب، فلم يقرأ في الركعة الأولى شيئًا، فلمّا كان في الثانية قرأ فيها بفاتحة الكتاب، وسورة مرتين، فلما سلم سجد سجدتي السهو، وهو عنده من رواية شعبة، عن عكرمة بن عمّار, عن ضَمْضَم بن جَوْس، عن عبد الرحمن بن حنظلة بن الراهب، أن عمر - رضي الله عنه -، فذكره.
وأشار بذلك إلى أن عمر - رضي الله عنه - لم يسجد بعد السلام في النقص إلا وقد علم من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فاعله في حديث ابن بُحينة قد نُسخ.
قال الحافظ العلائي -رحمه الله-: وجواب هذا أنه لا يلزم منه النسخ، ولا يعارض فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعل غيره، وما الذي يدلّ على أن عمر - رضي الله عنه - اطلع على سجود النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ابن بُحينة قبل السلام، ثم خالفه حتى تعذر اطلاعه على ناسخ؟
ثم روى عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا: سجود السهو بعد التسليم، ولم يفرّقوا, منهم ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وأنس بن مالك، وآخرون.
وجوابه ما تقدم أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما ثبت عنه أمرًا وفعلًا لا يُعارضه غيره من عمل الصحابة، ولو قدر اطلاعهم على سجود النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل السلام، فما المانع من اعتقادهم تسويغ كل واحد من الأمرين.
وهذا هو الأولى كما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
ويدلّ على ذلك اختلاف الرواية عنهم، فقد اختلف عن ابن عباس، وابن الزبير - رضي الله عنهم - كما تقدّم.
ثم قال الطحاوي: وأما من جهة النظر، فإنا رأينا سجود السهو يُؤخر عن موضع السهو بخلاف سجود التلاوة، ومن نسي سجدة من صلاته إلى آخر الصلاة، فإنه اختلف في تقديمه على السجود، أو تقديم السجود عليه، فكان النظر أن يكون حكمه في تقديمه على السجود حكم ما قبله من الصلاة المتفق على تقديمه عليه.